نتمنى أن يقرأ رئيس الجمعية الشرعية تاريخ أنديرا غاندى التى صنعت ورسخت أكبر ديمقراطية على وجه الأرض الآن، صانعة مجد الهند وتلميذة غاندى، هزمت باكستان فى الحرب ولم تكن وقتها تعانى من الضعف البشرى المزعوم
ولا آلام الحيض التى باتت سُبة وعورة وجريمة من وجهة نظر مولانا رئيس الجمعية الشرعية، والمدهش أن أنديرا ماتت نتيجة التعصب الطائفى الذى حاربته برصاصة من حارسها الشخصى الذى ينتمى لطائفة السيخ، كما ماتت بنازير بوتو، خريجة أكسفورد وهارفارد، ضحية لمقاومتها وقوع باكستان فريسة للفكر الطالبانى!، وعلى فكرة أذكّره بأن بنازير دخلت المعترك السياسى فى الخامسة والثلاثين أى قبل سن اليأس.
تاريخ كراهية دم الأنثى هو الباب الملكى لتاريخ كراهية الأنثى نفسها، وقد انتقلت بعض هذه الكراهية إلى تراثنا عبر الباب اليهودى الذى وضع المرأة الحائض موضع الشيطان الرجيم، فنقرأ فى سفر اللاويين عن التعامل مع الحائض ما يلى: «كل من مسها يكون نجساً إلى المساء، وكل ما تضطجع عليه فى طمثها يكون نجساً، وكل ما تجلس عليه يكون نجساً، وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء»!!.
وكما قرأنا نصنا الدينى العربى بعيون عبرية، حفظناه أيضاً فى قوارير فارسية، فالرؤية الفارسية تسللت وسيطرت على نظرتنا للمرأة فى حوار الشيطانة الأنثى «ياهى»، وهى الشر الكامن فى دم الحيض التى أيقظت إله الظلام أهريمان وقالت له: «سأفسد كل بشر صالح، وأسمم كل بئر ماء وكل عين، وأذبل النبات، وألوث حتى النار وكل الخليقة».
ليست ثقافة نبذ المرأة الحائض واحتقارها بنت التراثين اليهودى والفارسى فقط، ولكنها بنت التراث الجاهلى أيضاً، فقد كان العرب فى الجاهلية يحكمون على المرأة الحائض باعتزال القبيلة والانزواء فلا يكلمونها ولا يأكلون معها!!، وكانت المرأة ترتدى ما يسمى الرهط، وهو جلد يوضع ما بين الركبة والسرة أثناء الحيض، وكان أهل الجاهلية يعلقون كعب الأرنب على أجسادهم للوقاية من السحر والجن الذى كان فى اعتقادهم ينفر من حيض أنثى الأرنب.
سيطرت الاعتقادات الخرافية الأوروبية فى القرون الوسطى على أذهان الناس فترة طويلة، تخلص منها العالم بالتدريج إلا نحن أبناء مصر المحروسة وأحفاد العرب الفوارس، هذه الاعتقادات الخرافية منها أن البخار اللامرئى الذى يتصاعد من دم الحيض يفسد الخمور، ويمنع النبات من النمو، ويعوق زجاج المرايا عن عكس الضوء، والنحل عن صنع العسل، كما أنه يجعل الحديد يصدأ، ويؤدى إلى السعار عند الكلاب، وكانت الكنيسة قديماً تقول إن العلاقة الجنسية أثناء الحيض تتسبب فى ولادة أطفال مصابين بالجذام، وكانوا يفسرون الحصبة بأنها نتيجة دم الحيض الذى يعلق بالجنين أثناء الحمل!!.
المدهش أن طبيباً مسلماً أندلسياً اسمه ابن زهر أتى فى القرن الثانى عشر الميلادى ليفند تلك الخرافات ويشرح أسباب الجدرى والحصبة الحقيقية فى كتابه التيسير، ولكن أحفاده المسلمين بعد تسعة قرون يأتون ليعايروا المرأة بحيضها ويرسخوا من شعورها بدونيتها، ويتعاملوا معها على أنها نحس ونجاسة ودنس ومركب خطيئة متحرك وشيطان لعوب لا يصلح لحكم وقضاء، بل يصلح فقط للإغواء وللاستخدام كوقود لنار جهنم.
المصري اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق