كان فيديو قصيرا لسيدة قبطية وابنتها، الابنة تبكى بافتعال قائلة: (مصر زعلانة خالص من غيرك يا ريس، تعال إرجع بقى أنا تعبت، أوحش يوم في عمري لما أنت سيبتنا، ليه تعمل فينا كده يا ريس). أما الأم فتقول: (أنت اللي حامي كل الأقباط يا ريس). وتهددنا “بكارثة قومية”، أنها ستهاجر إن لم يعد “الريس”.
نفس هذا اليوم، الذي شاهدت خلاله هذا الفيديو، قام أحد المصريين المغتربين، بالتعليق في مجموعة “الفيس بوك” لنادي المصريين بإسبانيا، علي مقالى “نساء
ثورة يناير” قائلا الكثير، مستشهدا بآيات قرآنية، وكانت جملته الأخيرة: (اليوم اللي واحدة ست تمسك فيه الرئاسة أنا حاأنتحر).
بما أنني ديمقراطي، فعلي احترام اختيارات الطرفين، أدعو السيدة وابنتها للهجرة إن أرادتا. وأدعو هذا الرجل بأن ينتحر إن أراد. فسوف تحدث أشياء كثيرة في مصر لن تكون علي “مقاسهم”، ونحن من جانبنا لن نرتدي الأحجبة ولن ننتحر.
كلمة “نحن” تعني هنا كل القوى والأفراد الديمقراطيين، العلمانيين، التقدميين، والليبراليين. أي القوي الأساسية التي فجرت ثورة يناير. هي القوى والأفراد أصحاب المصلحة الحقيقية في إسقاط النظام، وتغيير شكل المجتمع المصري وسلطته السياسية بالكامل. بالتالي فهي “نحن” واسعة.
أما حزب الانتحار، الذي يهددنا بالمنتحرين، أو يدفعنا للانتحار، فهو الحزب الأكبر في مصر الآن، هو صاحب السلطة الحالية، وبالتالي صاحب الصوت المرتفع. وبرغم تنوعه البادي، واختلاف توجهات أعضائه، وربما تناقض هذه التوجهات، فأنه الامتداد الطبيعي لنظام مبارك. هم الأعداء الحقيقيون للتغير، والذين يمارسون ضدنا حربا نفسية وحرب مواقع، لضرب معنوياتنا، افقادنا الصبر والإصرار، وتيئيسنا من إمكانية إحداث تغيير حقيقي، ديمقراطي، وتقدمي في مصر. هذه الإمكانية التي أراها موضوعية و ممكنة، إلا أنها رهن بنا نحن، ورهن بقدرتنا علي التوحد، والعمل المنظم والمشترك، وبقدرتنا علي استخدام سلاح الوعي والمعرفة.
حزب الانتحار الواسع، يقوده بشكل أساسي المجلس العسكري الرجعي، بتحالفه مع قوي المال التي كانت تحكم في ظل نظام مبارك. هو المجلس العسكري الذي يصدر للواجهة حكومة شرف الانتقالية في الأيام الأخيرة، وكأنها هي التي تحكم، ببعض “سياسييها” شديدي الرداءة، وعلي رأسهم يحيى الجمل. السياسة هذه المرة لا تختلف كثيرا عما فعله الرئيس المخلوع، البطأ والتلكع في القرارات حتي الملل، قرارات رجعية أو عديمة القيمة في أغلبها، فيما عدا ما يتم انتزاعه بقوة الشارع، التغاضي عن الفوضي، وإطلاق السلاح الطائفي والديني. هي بالتالي لعبة الوقت، لإنهاكنا، مثلما فعل نظام مبارك في أيامه الأخيرة.
حزب الانتحار يعرف أدواته جيدا، وقادر علي توظيف الكثير من القوي لتحجيم التغيير. هذه القوي ليست بالطبع هذه السيدة وهذا الشخص الذين أشرت إليهم سابقا. هؤلاء هم القواعد الساذجة. إلا أن الجسم الحقيقي يتشكل من كثيرين، بداية من القوي الدينية علي اختلاف مسمياتها، ومن ضمنها القيادة الأساسية للإخوان المسلمين، وصولا للبلطجية، ومن أجهضوا احتفالية عيد العمال بالتحرير، مرورا بالكثيرين. ولنتأمل معا عناصر المشهد الحالي:
الشرطة العسكرية تتحول لمتخصصة في ضرب وتعذيب شباب التحرير، إهانتهم، محاكمة بعضهم عسكريا، وعدم حمايتهم حين يتم استهدافهم جسديا. ولنتذكر ما حدث في مسيرة اليوم العالمي للمرأة، وحتي حادثة الأول من مايو. أدعي بأن هناك حرصا بأن تتم الإهانة والضرب بشكل علني و يكون لها صداها الإعلامي. فهي محاولة لكسر معنويات الكثيرين وإرهابهم. يتم إرهاب وإهانة الشباب الذي لم يخرج من الميدان في أي لحظة منذ بداية الثورة وحتي إسقاط مبارك. في ذات الوقت، يتم الإفراج عن مرتضي منصور، مفيد شهاب، عائشة عبد الهادي وأمثالهم.
الأحزاب الجديدة يوضع لها سقف الخمسة آلاف عضو، وهو ما لن يحققه الكثير منها، ويتم إصدار قانون تجريم التظاهر والإضراب المشبوه.
سامي الشريف، بجبن شديد، يريد فرض رقابته علينا، وقصقصة الأفلام المعروضة بالتلفزيون حسب مزاجه، أو مزاج قوى حزب الانتحار. مع غياب حملة تطهير حقيقية، وثورية، داخل أجهزة الإعلام الرسمي.
المنتمون للعصور الوسطي، من أمثال عبود الزمر وهاني السباعي، يعودون بخطاب ميت، زائف، وزاعق. يأسسون حزبهم ويستعرضون قواهم يوميا.
العصابات السلفية تبتزنا، تقوم بتخويفنا، تفرض سلطتها، وتمارس مهامها في تسييد الخوف، بخبرتها الطويلة كذراع فاسد لجهاز أمن الدولة القديم. يقف جوارهم رجال الشرطة، الذين يختارون الآن علي أي قضية يعملون، هذه نعم، وهذه لا، وكأن الأمن هو قضية علي مزاجهم.
عبد المنعم أبو الفتوح، يريدنا أن نصدق وجهه المتمرد. يبيعنا اختلافه مع قيادة الإخوان، ويريدها دولة طائفية، عبر تصريحاته الأخيرة حول مادة جديدة بالدستور تحدد مرجعية المسيحين!!! وقادة الإخوان الذين تحدثوا من شهرين عن 25? من مجلس الشعب، يقومون برفع النسبة لخمسين، فهم الوحيدون الذين قاموا بالثورة!!!
حزب الانتحار العريض، الذي يستهدف تحجيم وإجهاض ثورتنا، أغفل عاملين أساسين. أولهما الحادثة التاريخية وتأثيرها النفسي، الشعب المصري لأول مرة في تاريخه، يخرج إلي الشارع ويحقق انتصارا بحجم إسقاط مبارك، تتوالي انتصاراته بداية بإسقاط شفيق، وصولا للتحقيق مع مبارك وحبس أبنائه، مرورا بحل أمن الدولة والحزب الوطني.
تكمن الخطورة الأساسية لهذه الانتصارات. في كونها قد غيرت جزءا أساسيا من نفسياتنا كشعب، وفي وعينا الجمعي. لأول مرة نشعر بهذا النوع من الكرامة، الثقة، القوة، والقدرة علي الانتصار عبر الشارع.
أما الاعتبار الثاني الذي أغفله حزب الانتحار، فهو الفرز الحقيقي والصحي الذي يتم الآن علي أرض الواقع، مابين من يريدون إبقاء الوضع عما هو عليه، سواء بالتدليس للمجلس العسكري أو بالتدليس للقوي الدينية، في حجبهم لشعار الدولة المدنية، وبين من يريدون استكمال هذه الثورة الديمقراطية، عبر الإصرار علي دولة مدنية، لا يلعب بها الدين أي دور سياسي، دولة ديمقراطية ذات مضمون اجتماعي وتحقيق مساواة حقيقية.
مصطلح الحجاب الذي تم استخدامه في العنوان، ربما يبدو مجازيا، بمعني أن نحتجب كقوي ثورية، ديمقراطية، وعلمانية، نخفف من خطابنا، ونمنح التنازلات المجانية. لكنه ليس بعيدا عن فكرة الحجاب بمعناه المباشر، فلن يفرض أحد – سواء كان الزوج أو الأب أو الدولة – علي النساء المصريات الحجاب والعودة للمنزل.
خطورة النفسية الجديدة، التي ولدت مع يناير، بأنها حين تمتزج بالوعي، فهي تمنحنا القدرة ليس فقط علي المقاومة، إنما أيضا الهجوم. تمنع عنا رفاهية الانتحار السياسي، أو فقدان الأمل، أو اليأس. نحن قادرون علي أن نحاور بعضنا البعض، كي نتوحد خلف برنامج ديمقراطي وعلماني حقيقي. قادر علي الهجوم عبر كل الوسائل المتاحة. ومن ضمنها الاستيلاء علي أجهزة الإعلام الرسمي، وتطهيرها لصالح القوي الديمقراطية. ليعود صوتنا أعلي منهم.
عبر نضالنا ضد حزب الانتحار، نستطيع العودة لامتلاك ميدان التحرير. فمن أفسدوا احتفالية العمال يوم الأول من مايو، بحجة أنه لا يجوز الغناء فوق دماء الشهداء، هم أضعف كثيرا من هؤلاء العمال وكل من يقف في جهتهم. هؤلاء لم يكونوا بالميدان قبل 11 فبراير أصلا، ففي هذا الميدان غنينا جميعا، رقص البعض، أطلقنا النكات، وتزوج البعض الآخر، برغم وجود دماء الشهداء. ففرحتنا هي احتفال بمن سقطوا بين صفوفنا، وهي وقودنا كي نحتمل وننتصر.
نصيحة أخيرة لحزب الانتحار، ومن أفسدوا احتفالية الأول من مايو، لا تنخدعوا بكرم وسلمية عمال التحرير، وامتناعهم عن قمعكم برغم قدرتهم. ربما لا يفرق كثيرا مع هؤلاء العمال من هو الرئيس القادم، إلا أنهم لن يسمحوا بأن يعيش أبناؤهم نفس الحياة التي عاشوها هم، خلال سنين طويلة.
البديل
0 التعليقات:
إرسال تعليق