حاتم حافظ
يبرر السلفيون علو نعرتهم خلال الشهرين الماضيين بكونهم ـ على حد قولهم ـ أكثر الجماعات التي تلقت ضربات موجعة من أمن النظام السابق، ويحتجون على تأكيد هذا التبرير بأن أغلب المفرج عنهم من المعتقلين السياسيين فيما بعد الثورة السلمية المصرية كانوا من الجماعات الإسلامية، ويتمادون في تأكيدهم في أن هؤلاء المفرج عنهم لم يكن من بينهم لا “ليبرالي” ولا “علماني” ولا “قبطي”، وذلك أيضا على حد قولهم.
لا شك في أن النقطة الأخيرة تحديدا لها نصيب كبير من الصحة، لا لأن الجماعات الأصولية كما تحسن الظن بنفسها كانت ـ لا سمح الله ـ من الجماعات المعارضة للنظام السابق، فيما كان الليبراليون والعلمانيون والأقباط على وئام مع النظام السابق، ولكن ـ وهو ما تحاول تلك الجماعات تجاهله ـ لأنه ما من تفجير حدث في مصر ـ كحادث الأقصر مثلا ـ تم الإعلان عن مسئولية جماعة الجهاد الليبرالية ولا الجماعة العلمانية ولا تنظيم القاعدة القبطي، وما من اعتداء أو عمل عنيف ـ مثل حادث قتل المفكر فرج فودة أو الاعتداء على أديب نوبل نجيب محفوظ ـ تم بواسطة أحد الليبراليين أو العلمانيين أو الأقباط المتشددين مثلا.
وللتذكير فحسب: فما أن تم رحيل الرئيس المخلوع مبارك حتى تسارعت وتيرة الأحداث التي كان للجماعات السلفية الأصولية المتشددة ضلع كبير فيها، بداية من هدم كنيسة أطفيح، ونهاية بحصار الكاتدرائية قبل أيام، مرورا بالاعتداء على مظاهرات الأقباط في المقطم، وقطع طريق القطارات في قنا، واحتلال مسجد النور بالعباسية عنوة، والاعتداء على أضرحة أولياء الله الصالحين، وفتاوى تكفير من يصلي في مساجد الأوقاف، فضلا عن غزوة الصناديق الشهيرة. فهل تسارعت هذه الأحداث ـ فقط ـ لأن النظام الذي كان يقمع الجماعات المتشددة قد انهار، فانطلقت تلك الجماعات إرهابا وتكفيرا وإثارة لزعزعة وحدة المصريين، بحثا عن دور، أم استعادة لمجد قديم، أم لتوجيه رسالة عقابية للشعب المصري مفادها أن النظام السابق كان قامعا وسارقا لقوت المصريين ومهينا لكرامتهم، ولكنه كان حارسا أمينا على أمن المواطنين مسلمين ومسيحيين وكفار!
قضية علاقة أمن الدولة بتلك الجماعات قضية لا تستحق النقاش، رغم ثقتي في أن أغلب المنتمين لهذه الجماعات يرتبط بها على أساس إيماني، ففكرة أن السلفيين كما كانت جماعة الإخوان تتندر بهم كانوا “ميد إن لا ظوغلي” فكرة يعرفها الجميع، بل إن لاظوغلي نفسه منح تلك الجماعات تراخيص لخمس قنوات فضائية تبث عبرها تطرفها وجهلها بالإسلام بداعي أن ذلك سوف يحد من تأثير جماعة الإخوان المسلمين لأنه سوف يظهرههم على أنهم قليلو الإيمان ومفتورو الهمة في الجهاد باسم الله. فيما منع الإخوان أنفسهم لا من إطلاق قناة فضائية بل من عقد مؤتمرات داخلية أيضا، وبهذه المناسبة أقول إن الإخوان ـ على اختلافي معهم ـ كانوا الأولى بالتفاخر بالاعتقالات فعلى الأقل لم يزج بأحدهم في سجون النظام السابق لأنه كان وراء حادث إرهابي ما، وإنما لمعارضته السياسية للنظام.
لا أعرف لماذا خرجت كل تلك الجماعات المتشددة خلف قضايا وهمية تضر بالثورة المصرية التي شهد لها العالم، عدوا وصديقا، إلا إن كان إرهابها مقصودا، وأقول إرهابها ـ بقلب مطمئن ـ وضمير واثق ـ لأن محاصرة دار عبادة إرهاب، ولأن الاعتداء على دور العبادة إرهاب، ولأن تخويف المسلمين الوسطيين إرهاب، ولأن تفتيت وحدة وتماسك الأمة إرهاب، ولأن التوجه نحو طائفة دينية مهما كان حجمها كالمسيحيين باعتبارهم تحت الوصاية إرهاب، ولأن أي تقليل من شأن أو وطنية أية جماعة من المصريين تحت أي مسمى إرهاب. وهو على ما يبدو إرهاب مقصود في توقيته وفي مظهره وفي اختياراته وفي توالي فصوله.
وباعتباري أحد المعنيين بهذه الرسالة الإرهابية ـ كمصري كان على استعداد للموت من أجل إنجاح الثورة أولا ـ وكمسلم وسطي يؤمن بأن هذه الجماعات تسيئ للإسلام ثانيا ـ وكليبرالي مؤمن بالتسامح مع الآخر ثالثا ـ فإني أؤكد أن المصريين لن يستسلموا للإرهاب، ولن يهيبهم كل هذه الصيحات التي تحاول إعاقة تأسيس دولة مدنية حديثة قادرة على المشاركة في الحضارة الإنسانية.
تتأسس الجماعات الدينية المتشددة التي تمارس إرهابها على المجتمع على أساس عقيدي بأنها أولا تمتلك الحقيقة المطلقة، وبأنها مفوضة من قبل الله لإصلاح العالم ثانيا، وبأنها على علاقة متميزة بالله لأنهم جنوده ثالثا، وبأن كل ما هو خارجها فهو ينتمي لقوى الشر رابعا، ومن ثم فإن محاربته واجبة، وبأن التعددية التي ينادي بها الليبراليون انتقاص من الدين، وبأن التسامح مع الآخر والمختلف دينيا وهو التسامح الذي يؤمن به المتدينون الوسطيون استهانة بالدين ووهنا في التدين. فيما يؤمن المصريون في عمومهم أن ثورتهم كانت بالأساس من أجل تحرير الوطن والمواطنين من كل تفكير يستبعد أي طائفة أو أشخاص من العمل الوطني سواء على أساس جنسي أو ديني، ومن كل تفكير سلطوي يدعي أنه وحده يمتلك الحقيقة، لأن المصريين ـ تاريخا ـ مسلمين ومسيحيين ـ يؤمنون بجوهر الليبرالية القرآنية العظيمة التي تنص على أن “إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، لا لتحاربوا ولا لتشاحنوا ولا ليرهب بعضكم بعضا. وإننا كمصريين ماضون في طريق تلك الثورة لن يرهبنا إرهاب ولن يفتت وحدتنا دخيل ولا جاهل.
البديل
يبرر السلفيون علو نعرتهم خلال الشهرين الماضيين بكونهم ـ على حد قولهم ـ أكثر الجماعات التي تلقت ضربات موجعة من أمن النظام السابق، ويحتجون على تأكيد هذا التبرير بأن أغلب المفرج عنهم من المعتقلين السياسيين فيما بعد الثورة السلمية المصرية كانوا من الجماعات الإسلامية، ويتمادون في تأكيدهم في أن هؤلاء المفرج عنهم لم يكن من بينهم لا “ليبرالي” ولا “علماني” ولا “قبطي”، وذلك أيضا على حد قولهم.
لا شك في أن النقطة الأخيرة تحديدا لها نصيب كبير من الصحة، لا لأن الجماعات الأصولية كما تحسن الظن بنفسها كانت ـ لا سمح الله ـ من الجماعات المعارضة للنظام السابق، فيما كان الليبراليون والعلمانيون والأقباط على وئام مع النظام السابق، ولكن ـ وهو ما تحاول تلك الجماعات تجاهله ـ لأنه ما من تفجير حدث في مصر ـ كحادث الأقصر مثلا ـ تم الإعلان عن مسئولية جماعة الجهاد الليبرالية ولا الجماعة العلمانية ولا تنظيم القاعدة القبطي، وما من اعتداء أو عمل عنيف ـ مثل حادث قتل المفكر فرج فودة أو الاعتداء على أديب نوبل نجيب محفوظ ـ تم بواسطة أحد الليبراليين أو العلمانيين أو الأقباط المتشددين مثلا.
وللتذكير فحسب: فما أن تم رحيل الرئيس المخلوع مبارك حتى تسارعت وتيرة الأحداث التي كان للجماعات السلفية الأصولية المتشددة ضلع كبير فيها، بداية من هدم كنيسة أطفيح، ونهاية بحصار الكاتدرائية قبل أيام، مرورا بالاعتداء على مظاهرات الأقباط في المقطم، وقطع طريق القطارات في قنا، واحتلال مسجد النور بالعباسية عنوة، والاعتداء على أضرحة أولياء الله الصالحين، وفتاوى تكفير من يصلي في مساجد الأوقاف، فضلا عن غزوة الصناديق الشهيرة. فهل تسارعت هذه الأحداث ـ فقط ـ لأن النظام الذي كان يقمع الجماعات المتشددة قد انهار، فانطلقت تلك الجماعات إرهابا وتكفيرا وإثارة لزعزعة وحدة المصريين، بحثا عن دور، أم استعادة لمجد قديم، أم لتوجيه رسالة عقابية للشعب المصري مفادها أن النظام السابق كان قامعا وسارقا لقوت المصريين ومهينا لكرامتهم، ولكنه كان حارسا أمينا على أمن المواطنين مسلمين ومسيحيين وكفار!
قضية علاقة أمن الدولة بتلك الجماعات قضية لا تستحق النقاش، رغم ثقتي في أن أغلب المنتمين لهذه الجماعات يرتبط بها على أساس إيماني، ففكرة أن السلفيين كما كانت جماعة الإخوان تتندر بهم كانوا “ميد إن لا ظوغلي” فكرة يعرفها الجميع، بل إن لاظوغلي نفسه منح تلك الجماعات تراخيص لخمس قنوات فضائية تبث عبرها تطرفها وجهلها بالإسلام بداعي أن ذلك سوف يحد من تأثير جماعة الإخوان المسلمين لأنه سوف يظهرههم على أنهم قليلو الإيمان ومفتورو الهمة في الجهاد باسم الله. فيما منع الإخوان أنفسهم لا من إطلاق قناة فضائية بل من عقد مؤتمرات داخلية أيضا، وبهذه المناسبة أقول إن الإخوان ـ على اختلافي معهم ـ كانوا الأولى بالتفاخر بالاعتقالات فعلى الأقل لم يزج بأحدهم في سجون النظام السابق لأنه كان وراء حادث إرهابي ما، وإنما لمعارضته السياسية للنظام.
لا أعرف لماذا خرجت كل تلك الجماعات المتشددة خلف قضايا وهمية تضر بالثورة المصرية التي شهد لها العالم، عدوا وصديقا، إلا إن كان إرهابها مقصودا، وأقول إرهابها ـ بقلب مطمئن ـ وضمير واثق ـ لأن محاصرة دار عبادة إرهاب، ولأن الاعتداء على دور العبادة إرهاب، ولأن تخويف المسلمين الوسطيين إرهاب، ولأن تفتيت وحدة وتماسك الأمة إرهاب، ولأن التوجه نحو طائفة دينية مهما كان حجمها كالمسيحيين باعتبارهم تحت الوصاية إرهاب، ولأن أي تقليل من شأن أو وطنية أية جماعة من المصريين تحت أي مسمى إرهاب. وهو على ما يبدو إرهاب مقصود في توقيته وفي مظهره وفي اختياراته وفي توالي فصوله.
وباعتباري أحد المعنيين بهذه الرسالة الإرهابية ـ كمصري كان على استعداد للموت من أجل إنجاح الثورة أولا ـ وكمسلم وسطي يؤمن بأن هذه الجماعات تسيئ للإسلام ثانيا ـ وكليبرالي مؤمن بالتسامح مع الآخر ثالثا ـ فإني أؤكد أن المصريين لن يستسلموا للإرهاب، ولن يهيبهم كل هذه الصيحات التي تحاول إعاقة تأسيس دولة مدنية حديثة قادرة على المشاركة في الحضارة الإنسانية.
تتأسس الجماعات الدينية المتشددة التي تمارس إرهابها على المجتمع على أساس عقيدي بأنها أولا تمتلك الحقيقة المطلقة، وبأنها مفوضة من قبل الله لإصلاح العالم ثانيا، وبأنها على علاقة متميزة بالله لأنهم جنوده ثالثا، وبأن كل ما هو خارجها فهو ينتمي لقوى الشر رابعا، ومن ثم فإن محاربته واجبة، وبأن التعددية التي ينادي بها الليبراليون انتقاص من الدين، وبأن التسامح مع الآخر والمختلف دينيا وهو التسامح الذي يؤمن به المتدينون الوسطيون استهانة بالدين ووهنا في التدين. فيما يؤمن المصريون في عمومهم أن ثورتهم كانت بالأساس من أجل تحرير الوطن والمواطنين من كل تفكير يستبعد أي طائفة أو أشخاص من العمل الوطني سواء على أساس جنسي أو ديني، ومن كل تفكير سلطوي يدعي أنه وحده يمتلك الحقيقة، لأن المصريين ـ تاريخا ـ مسلمين ومسيحيين ـ يؤمنون بجوهر الليبرالية القرآنية العظيمة التي تنص على أن “إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، لا لتحاربوا ولا لتشاحنوا ولا ليرهب بعضكم بعضا. وإننا كمصريين ماضون في طريق تلك الثورة لن يرهبنا إرهاب ولن يفتت وحدتنا دخيل ولا جاهل.
البديل
0 التعليقات:
إرسال تعليق