...وو

نحن هنا من اجلك
اذا كانت لـك اي طلبات مسـاعده اكتب لنا
ونحن سوف نتكاتف معك من اجل تحقيقها

yo

الثلاثاء، يونيو 7

مقال فاطمة ناعوت...التطرف وثقافة التعصب الكروى


فى عالم كرة القدم المصرية، ثمة أهلاوية، وثمة زملكاوية، وقليلون يشجعون نوادى أخرى، لأسباب إقليمية. كأن يشجع أهل بورسعيد النادى «المصرى»، وأهل الإسكندرية «الاتحاد».. إلخ، لكن لابد لكل بور سعيدى وإسكندرانى من انتماء ما، للأهلى أو للزمالك، يظهر بجلاء حين لا يكون فريقه الإقليمى فى المنافسة. فالاحتدام الكروى، الذى يرقى إلى درجة التعصب، لا يكون إلا بين الأهلاوية والزملكاوية. ثمة متعصبون 


وثمة معتدلون مثقفون. المتعصب الأهلاوى يرى الزملكاوى خصمًا! وكذلك المتعصب الزملكاوى يرى الأهلاوى شخصًا غير مرغوب فى وجوده، لو أمكن. أما المثقف «كرويًّا» فغالبًا ما يكون واعيًا. يشجع «اللعبة الحلوة»، إذا خسر فريقه مباراةً، يتأمل أسباب الهزيمة، ويحترم فوز «الآخر»، وقد يتمادى فى سعة أفقه ويفرح له، لأنه استحق هذا الفوز، بينما المتعصب قد يلقى بالأحجار على الفريق الفائز المناوئ لفريقه، ويرتكب السباب والضجيج وقد يشتبك مع مشجعى الفريق الآخر، فتحدث اقتتالات! وبعدما تهدأ فورة الضجيج، يتأمل الناس ما جرى، فلا يصدقون أن الأمر كله مجرد «مباراة كرة قدم»! اسأل متعصبًا: «لماذا هذا الفريق؟» يقول لك: «كده!» رغم أن الفِرق تتبدل واللاعبين يتغيرون، لكنه يظل على ولائه المتعصب.

والطريف فى الأمر أن المتعصبين عادة غير رياضيين! لست أقصد فقط أنهم لا يتمتعون بروح رياضية، بل أقصد أنهم لا يمارسون أية رياضة! قد تراهم بكروش تتدلى أمامهم، وترهلات تنتشر فى أنحاء أجسامهم، ويكادون يتعثرون فى مشيتهم من طول انبطاحهم بكسل أمام التليفزيون يشاهدون المباريات وجوارهم هرمٌ ضخم من الفشار وصوانٍ واسعة تعلوها الشطائر! يقتلون أنفسهم من أجل لعبة لم يمارسوها يومًا، ولا مارسوا غيرها! هو تعصبٌ للتعصب! ضجيجٌ من أجل الضجيج. فوضى وصوت عال وسباب من أجل لا شىء! أما من يمارس رياضةً ما، أية رياضة، ستجده يفهم معنى الفوز والهزيمة، ويعرف أنهما صنوان لا ينفصمان، إن قبِل الفوز، فعليه أن يدرك أن ثمة هزيمةً تلازم الفوز، فهو يحترم قانون الرياضة، فيشد المهزومُ على يد الفائز باحترام ومحبة، مثلما نشاهد من طقوس راقية يؤديها أبطال العالم فى التنس بعد انتهاء المباراة، ذاك هو الارتقاء بالروح، الفكرة الأولى من الرياضة.

لا أدرى لماذا يخطر ببالى كل هذا كلما شاهدتُ تعصبًا دينيًّا.. تأملوا التعليقات على مقالات الكتاب المستنيرين فى الصحف لتدركوا ما أقول. أولئك المستنيرون، من الكتّاب والقراء، منحهم اللهُ شيئًا من نوره، يتجلّى فى تلك الروح الرفيعة، التى حُرم منها سواهم من المتعصبين العميان. المستنيرون يبحثون عن المحبة بين البشر ويسعون نحو تكريس قيم الرقى بين الناس، لأنهم غالبًا متدينون بعمق. يفهمون جوهر دينهم الأصيل الذى يحثُّ على حب الآخر واحترامه ونظافة اللسان واليد والقلب قبلهما. بينما المتعصب الدينى ليس إلا ذاك المتعصب الكروى، لا يعرف الرياضة ولا يمارسها ويقتل نفسه من أجل ما لا يعرف، ويظن بجهالة أن الرياضة تعنى اختصام مشجع الفريق الآخر، وإقصاءه. كذلك المتعصب الدينى، لا يعرف من الدين إلا معاداة معتنق الدين الآخر وسبّه والكيد له. باشروا بعض التعليقات المنفّرة للمتعصبين تجدوا العجب! ولو بحثت وراءهم قد تجدهم يسرقون وصلات الإنترنت التى يدخلون بها ليسبوا الناس. المتعصب الدينى، يمقت الآخر، هل لأنه شديد التدين؟ أبدا. قد تراه يرتشى فى عمله، ويرتكب الرذائل ولم يقرب دار عبادة! هو عادة لا يفهم أن الدين يعنى الأمانة والعفّة والصدق، فيختصر الدين فى سب أبناء الدين الآخر. تدينه قشريٌّ ضعيف، بل مريض.

المتدين الحق لا يفعل هذا. المتدين المسيحى مستحيل عليه أن يسبّ مسلمًا، لأن كتابه يأمره أن يحب أعداءه ويحسن إلى مبغضيه ويصلى للذى يسىء إليه. هذا عن العدو المبغض، فهل يسىء للمسلم وهو ليس عدوًّا ولا مبغضًا؟! مستحيل. والمتدين المسلم مستحيل عليه أن يسبّ مسيحيًّا لأن كتابه يأمره بأن يحسن إلى جميع الناس، وقد علم أن رسول الإسلام سيكون حجيج أهل الذمة يوم القيامة، وأن من يؤذيهم فقد آذاه هو شخصيًّا. فمتى نتعلم المبدأ الأساسى لكل الأديان: أننا سندخل الجنة بأعمالنا، ونظافة ألسننا، وقلوبنا، وأرواحنا، وعقولنا؟ فى هذه اللحظة الدقيقة التى تمرُّ بها مصرُ من تخبّط، أردد مقولة مارتن لوثر كنج: «علينــا أن نتعلم العيـشَ معًا كإخــــوة، أو الفنــاء معــاً كأغبيــاء».

اليوم السابع

0 التعليقات:

إرسال تعليق