بقلم: د.عمرو حمزاوي | الثلاثاء ١٠ مايو ٢٠١١
شائعة أطلقها مجهول، هكذا تحدث سكان شارع الأقصر، حيث تقع كنيسة مار مينا، بشأن «عبير»، ادعى احتجازها بداخل الكنيسة، حولت الشارع إلى ساحة حرب أهلية. بقع دماء على أرضية الكنيسة التى عولج بداخلها بعض ممن أصيبوا وجرحوا فى العنف المصرى-المصرى، بيوت ومحال محترقة، شظايا زجاج متناثرة ورصاصات فارغة منتشرة على امتداد الشارع. والأهم من كل هذا، رجال ونساء وأطفال فى حالة فزع يعلم الله وحده كيف سيتحملون أعباءها نفسيا وإنسانيا.
مسيرة عنف لمجموعات مسلحة من شارع الأقصر إلى شارع الوحدة، وهو شارع رئيسى فى إمبابة، أدت إلى إحراق كنيسة السيدة العذراء من أعلاها إلى أدناها وحولتها إلى كتلة سواد مرعبة. تفحمت الكنيسة بالكامل وغالبتنى دموعى وأنا بداخلها على الوطن الذى باتت دور عبادته تحرق ويعتدى عليها بهمجية تذكر بما نطالعه فى كتب التاريخ عن حروب الاضطهاد الدينى فى أوروبا والتعقب الدموى للطوائف الدينية. هناك ايضا رجال دين مصدومون، ومواطنون لا يشعرون إلا بالظلم والضعف والهوان وبغياب الحماية لهم ولأسرهم ولدور عبادتهم.
فى إمبابة، أوضاع اقتصادية واجتماعية لا إنسانية بها وليس لها إلا أن تفرز بيئة حاضنة للعنف وقابلة لخطابات التحريض على الآخر الدينى. فى إمبابة، دولة غاب دورها التنموى طوال العقود الماضية وسياسة لم تكن حاضرة إلا بمعنى القمع الأمنى. فلا حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية ولا تعامل حقيقيا مع التوترات الطائفية التى كثيرا ما طفت على السطح وهددت استقرار الوطن ولا تفاوض مع القوى الفاعلة فى المجتمع لاحتواء الأزمات. فى إمبابة اليوم، كما فى صول ومناطق كثيرة أخرى على امتداد الوطن، اكتمل غياب الدولة والسياسة بالغياب شبه الكامل للوجود الأمنى. فلا حراسات على الكنائس لحمايتها ومنع الاعتداء عليها، ولا جهاز شرطة يحول دون العنف المصرى ـ المصرى، ولا مساءلة ومحاسبة للمتورطين فى العنف.
مشهد الوطن الذى تواجهنا به كنيسة مار مينا والسيدة العذراء وشارعا الأقصر والوحدة مرعب ومحبط.
لا بد من عودة سريعة وحازمة للدولة ولأدواتها الأمنية غير القمعية لإيقاف نزيف الدماء ومنع العنف. لا بد من عودة سريعة لجهاز الشرطة وتمكينه سياسيا ومجتمعيا من القيام بدوره. لابد من انتصار لسيادة القانون بمساءلة ومحاسبة سريعة ومنضبطة للمتورطين فى العنف. لا بد من وقف فورى لخطابات التحريض على الآخر الدينى، المسيحى والمسلم، وللترويج الإعلامى عبر قنوات فضائية ومواقع إلكترونية غير مسئولة.
فأعتى المجتمعات ديمقراطية لا تسمح بالترويج العلنى لخطابات التحريض والكراهية والعنف. لا بد من هبة شعبية لمواطنات ومواطنى مصر المؤمنين بقيم العيش المشترك والسلم الأهلى والتسامح وللقوى الوطنية وللمجتمع المدنى للانتصار لحق الحياة فى أمن وآمان لكل المصريين.
الحق فى الحياة مقدس ودور العبادة مقدسة. دعونا لا ندنسهما ونصبغ مشهد الوطن بدموية تاريخنا ومجتمعنا منها براء.
نقلاً عن الشروق
0 التعليقات:
إرسال تعليق