"عبير".. الشرارة التى فجرت أحداث إمبابة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، قبلها كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين ونجلاء الإمام، وأخريات، حققن "شهرة سوداء" واسعة بسبب التحول الدينى، ولكن السبب المباشر والرئيسى فى الاحتقان الذى انقلب إلى عنف وحرق وتدمير، وسقوط قتلى وجرحى، وتهديد أمن واستقرار الوطن، حتى أصبحت مصر بحق فى خطر داهم.
هى إذن فتنة نسائية أو عاطفية أو جنسية، هكذا تبدأ، ثم ترتدى عباءة دينية، ولو أن فتاة مسلمة مثلها فعلت نفس الشىء مع شاب مسلم من دينها، وهربت من أهلها، وألحقت بهم الخجل والعار، لو وقعت نفس الأحداث بصورة مصغرة، خصوصا فى الصعيد، يرفع الجميع شعار "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم"، وتشتغل النيران أكثر إذا كانت الفتاة من عائلة كبيرة، أو من بين أقربائها مجموعة من الشباب المتشددين دينيا.
العلاج الآن بالتراخى والمسكنات وليس بالسرعة والحسم، مثلما ظلت أزمة كاميليا شحاتة تنمو وتكبر حتى أصبحت حربا، ولو ظهرت منذ البداية وأعلنت أنها مسيحية، ولم تعتنق الإسلام، لقتلت الفتنة فى مهدها، وتزداد الأزمة تعقيداً بالظهور المكثف لرجال الدين و"كذابين الوحدة الوطنية" فى وسائل الإعلام، وهم يتحدثون خطاباً مزيفاً وهزيلاً عن الوحدة الوطنية والنسيج الواحد، بينما النيران الزاحفة تحرق مثل هذه النصائح الأبوية التى عفا عليها الزمن.
الكنيسة والمسجد احتلا مكان الدولة، ولأن الطريق إلى العدالة القانونية أصبح مسدودا، واللجوء إلى الكنائس عند الأقباط هو البديل الآمن الذى يحقق مطالبهم ويسترد حقهم، وانتقلت نفس اللعبة إلى المساجد بعد مظاهرات استعراض العضلات للسلفيين، الذين استغلوا حالة هشاشة الدولة فى فرض نفوذهم وإرادتهم.
حرق البلد بالشائعات الذى تنمو مثل "الحمل السفاح" فى أجواء التراخى و"الطبطبة" والضعف والتعتيم، ويلعب الإنترنت والفيس بوك دور البطل الشرير، الذى يحشد النفوس الغاضبة والحناجر الزاعقة، فيغيب صوت العقل والضمير، ويعلو الصخب والضجيج، وتنطلق الحشود كالقطيع ترفع شعارات دينية كاذبة، بعيدة كل البعد عن حقيقة المشكلة، وإذا غابت العقول، استيقظت الفتن.
انتهى زمن التسامح الدينى، ولم تعد مصر هى المعدة الكبيرة القادرة على هضم كل المحن والأزمات، وانتحرت العبارة الخالدة "الدين لله والوطن للجميع".. ولم يعد المصريون هم الشعب الواحد الذى لا تستطيع أن تميز فيه بين المسلم والمسيحى، فهذا يحمل صليبا، وهذا يرفع مصحفا، أحدهما هتف "بالروح بالدم نفديك يا صليب" والآخر "واإسلاماه".. ويتم استنزاف المخزون الاستراتيجى الهائل الذى كان يحمى ظهر الأمة فى مواجهة المحن والنكبات.
الحل هو أن ينسحب رجال الدين المسلمون والمسيحيون إلى مساجدهم وكنائسهم، وأن يوقفوا لعبة "تديين" و"تسييس" مثل هذه الأزمات، وأن يتقوا الله فى بلدهم وشعبهم، فالخطاب الدينى مهما بلغت سماحته ومودته لهم يعد قادراً على مواجهة الخطر أو إطفاء النيران، وفى كثير من الأحيان يزيد الحرائق اشتعالاً.
الحل.. هو أن تسترد الدولة هيبتها بسرعة، وإذا استمر هذا التدهور، فالخراب قادم لا محالة، ولا توجد دولة فى العالم تحكم بعساكرها بل بهيبتها، وأول خطوات استمرار الهيبة هو وقف الاعتداءات الصارخة على المحاكم ومديريات الأمن وأقسام الشرطة والمرافق العامة.
الحل.. هو إنشاء مجلس قومى للإعلام، من قادة الرأى والفكر والصحافة والفضائيات، ليضعوا بأنفسهم ميثاق شرف فى القضايا الوطنية الخطيرة، وفى صدارتها الوحدة الوطنية لأن بعض وسائل الإعلام تقوم بترويج الفتن والشائعات، حتى لو كان الثمن هو مصلحة الوطن.
الحل هو أن يصبح للقانون ذراع طويلة، تستطيع أن تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقراره، أما أن تظل مثل هذه القضايا تائهة فى أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم لشهور وسنوات طويلة.. فهذا هو الخطر بعينه.
الحل.. هو إعادة إحياء القيم النبيلة التى تحض على التسامح وتجسد المفاهيم السامية للأديان، وإحياء روح مصر فى جسد الوطن، مصر التى نسيناها، وأخشى أن تنسانا.
الحل.. هو أن تقوم الشرطة، وأن كنت أشك فى ذلك كثيرا، لأنها لا تستطيع النزول إلى الشارع إلا فى حماية الجيش، والشرطة التى تبحث عمن يحميها لا تستطيع أن تحمينا، خصوصا أن أيدى جنودها وضباطها مرتعشة خوفا من المساءلة والمحاكمة والسجن.
الحل.. فى استنهاض روح المصريين لمواجهة الخراب، وكما تقول الحكمة الفرعونية القديمة، فالمصريون يتحولون إلى روح واحدة فى جسد واحد إذا شعروا بالخطر، ومصر بالفعل أصبحت فى خطر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق