ردود أفعال واسعة أحدثها الحكم التاريخى لمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالبديع عسران بسحب وإسقاط الجنسية المصرية عن المحامي موريس صادق .المقيم بالولايات المتحدة, وشطب اسمه من جداول العضوية بنقابة المحامين ستنادا لما ثبت فى حقه من التحريض الدائم للقوي الدولية ضد مصر وإثارته للفتن بدعوته إلي تقسيم البلاد ما بين المسلمين والمسيحيين, وكذلك دعوته لفرض الوصاية الدولية علي مصر والتحريض علي قطع معونات مخصصة لها من جانب دول أجنبية ، وقد امتدت حدة ردود الأفعال لتتجاوز إجراء سحب وإسقاط الجنسية إلى المطالبة بتسليمه إلى مصر لمحاكمته وإعدامه بعد ثبوت جريمة ( الخيانة العظمى ) فى حقه ليكون عبرة لغيره من المحرضين ضد الوطن ، بعدما تضمنت حيثيات الحكم - التى انفرد بنشرها موقع الأهرام - أن المدعى عليه قد ارتكب الجريمتين المنصوص عليهما بالمادتين (77 و 77 ب) من قانون العقوبات ، حيث تنص المادة (77) على أن " يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها ". كما تنص المادة (77 ب) على أن "يعاقب بالإعدام كل من سعى لدى دولة أجنبية أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدائية ضد مصر."
وفى محاولة لاستجلاء الآثار القانونية والتداعيات المجتمعية حول هذه القضية يأتى هذا التحقيق :
فى البداية يؤكد د.محمد كمال إمام أستاذ القانون المقارن بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية أن الأصل فى المواطن المصرى أنه يحتمى بوطنه وقانون بلده لأنها تعبر عن هويته الثقافية وتحمى حقوقه المعطاة له بحكم القانون والدستورفى مواجهة عسف السلطات وظلم القيادات ‘ فإذا ما حاول أى مصرى التماس الحماية من دولة أجنبية فإن ذلك يعد من وجهة نظر القانون خطأ جسيما سواء تم ذلك عن عمد أو عن غير عمد .
ويلفت د.إمام إلى منطق القانون الدولى الآن الذى يمكن الفرد من أن يشكو دولته إلى إحدى الهيئات الدولية مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الهيئات القانونية التى تتيح مثل هذا اللون من الدعاوى ، إلا أن هذا التصرف يختلف اختلافا كليا وجذريا عما يفعله المحرضون من استجلاب دولة أجنبية والاحتماء بقوتها فى مواجهة الوطن فأولئك يستحقون أن يجردوا من جنسيتهم وهويتهم الوطنية لموقفهم المعادى للوطن .
أما المفكر والكاتب السياسى كمال زاخر فيبدى تخوفه الشديد من تداعيات مثل هذا الحكم - مع رفضه التام لأى دعوة للتدخل الخارجى فى الشأن المصرى - لأنه يرى أن إسقاط الجنسية يمثل حكما بالموت وهناك نحو عشرة آلاف مصرى بالخارج قد تثبت فى حقهم مثل هذه الاتهامات بالخيانة و سيكونون مهددين بمثل هذا الحكم وهنا مكمن الخطورة .
ومخالفا للرأى السابق يرى المفكر السياسى جمال أسعد أنه لا علاقة بين وجود مشكلات للمسيحيين فى مصر و ما فعله موريس صادق من ارتماء فى أحضان الأجندة الصهيونية وادعاء وجود اضطهاد دينى والاستقواء بالخارج ضد الوطن والمطالبة بالتدخل الأجنبى والحماية الدولية ، مضيفا أن مشكلات المسيحيين مثلها مثل باقى المشكلات التى يعانيها المصريون يجب أن تعالج على أرض مصر وبأيد وعقول مصرية وبما يؤدى للتلاحم والاتحاد وليس بدعوات التحريض والاستقواء التى تؤدى للفرقة والتمزق ، مؤكدا أن الحكم رادع لمثيرى الفتن و لكل من يعملون ضد مصالح الوطن .
وحول قضية الانتماء للوطن والشعور بضرورة إعلاء مصالحه العليا على المصالح الشخصية والفئوية يرى د. قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى أن الانتماء إحساس داخلى تعبر عنه تصرفات الفرد ولا ينتظر حكم الآخرين ، فالعملاء والجواسيس هم الذين جردوا أنفسهم من وطنيتهم وباعوا أوطانهم فى سبيل مصالحهم الذاتية وهم فى قرارة أنفسهم يوقنون بعدم انتمائهم للوطن حتى ولو نطقوا بخلاف ذلك ، أو تلفحوا بدعاوى الدفاع عن مصالح فئة ما داخل الوطن .
وبصفة عامة يفرق د.قدرى بين أمرين : حمل الجنسية وخيانة الوطن ، فهناك مزدوجو الجنسية وبرغم ذلك ما زالوا على ولائهم لوطنهم فلا يمكن أن نصمهم بالخيانة ‘ أما من يحرضون ضد الوطن ومصالحه فهؤلاء يحاكمون بتهمة الخيانة حتى ولو حملوا جوازات سفر مصرية.
من جهته يؤكد اللواء دكتور محيى محمد سعد المحامى وأستاذ الدراسات الاقتصادية والقانونية أن هذا الحكم هو الأول من نوعه ويمثل أقوى رادع وزاجر لكل من تسول له نفسه أو يحركه آخرون للمساس بكرامة مصرأو تحريض جهات أو دول أجنبية للتدخل فى شئونها أو فرض الوصاية الدولية عليها أو الدعوة لتقسيم البلاد على أساس طائفى أو غير ذلك من الجرائم التى ترتكب فى حق الوطن .
ويضيف أن هذا ما دفع المحكمة لتضمين حيثيات حكمها بلاغا للنيابة العامة بالجرائم المشار إليها لتحريك الدعوى الجنائية ضد المدعى عليه ، ووضعه على قوائم ترقب الوصول ، موضحا أن هذا الإجراء يأتى تمهيدا للقبض عليه وإحالته إلى محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بتهمة ( الخيانة العظمى ) التى تصل عقوبتها للإعدام ، بل قد تتم إحالته إلى الى القضاء العسكرى حسب نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية لخطورة مثل هذه القضايا .
ويشير د. محيى إلى أن موريس سيحاكم غيابيا لأنه لا توجد اتفاقية تسليم مجرمين بين مصر والولايات المتحدة وبما أنه يحمل الجنسية الأمريكية فلن يتم تسليمه ، وإذا حكم عليه بالإعدام فلن يتم تسليمه حتى ولو لم يكن يحمل الجنسية الأمريكية وفقا للقانون الأمريكى ، إلا أنه يمكن للإنتربول ضبطه وتسليمه إلى مصر إذا سافر خارج الولايات المتحدة ، ولكن يكفى أن أقدام هذا المجرم وأمثاله لن تطأ تراب مصر الطاهر مرة أخرى ، وأن التحريض ضد الوطن لن يمر دون عقاب بعد اليوم .
الاهرام
0 التعليقات:
إرسال تعليق