ليس من العجيب أن يكون أكثر المتضررين من سقوط نظام مبارك هم الذين كانوا مستفيدين من انهيار دولة القانون لحساب شبكة العلاقات والمصالح والتوازنات.. إلا أن المؤسف أن تضم هذه الفئة بطريرك الأقباط في مصر الأنبا شنودة.
من المؤسف كذلك أن "دولة الإعلام" التي نشأت في ظل نظام مبارك وبرعايته ما تزال قائمة بل وفاعلة وتمارس نفس التضليل والتحريض والافتراء، وهو دورٌ متجرد من المنطق فوق تجرده من الأخلاق، حتى إن المرء ليستدعي قول الشاعر:
وليس يَصِحُّ في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
ثمة سيدة اسمها "كاميليا شحاتة" تحتجزها الكنيسة بغير وجه حق، ولا يُدرى عنها شيء، وثمة دلائل لا تقبل الشك على أنها أسلمت، والمطلوب من الأغلبية المسلمة أن تخرج هذه السيدة لتعلن في أجواء خالية من الضغوط حقيقة دينها فيرتاح الجميع.. إلا أن الكنيسة تصر على موقفها كما تصر على صمتها.
هذا الموقف مستفز، وهو –للطرافة- مستفز للأغلبية الكاسحة، وفي دول القانون لا يمكن لأزمة مثل هذه أن تحدث لأن القانون فوق الجميع، وأما في دول اللاقانون فإن الأقليات لا تجرؤ على استفزاز الأغلبية بهذا الشكل لأن الخلافات هناك تُحل بالمجازر والدماء.. يجب أن نسجل أن المسلمين في مصر يقدمون نموذجا فائقا لضبط النفس والحرص على الوطن.
لست أناقش هنا دور النظام البائد وأجهزته الأمنية الحقيرة في هذه الأزمة، فنحن –بإذن الله- سنرى عذابهم يوم القيامة، إنما نناقش دور الإعلام الذي يتجاوز كل هذه الأزمة ليركز على مشاهد في المظاهرات المطالبة بالإفراج عن كاميليا شحاتة، فيلتقط تصريحا هنا ولقطة هناك ولفتة هنالك، ثم يُسَوِّق المشهد على أن المسلمين (يسميهم السلفيين لمزيد من المراوغات والتشوية) يهددون ويتوعدون ويحذرون وينذرون وهم على وشك أن يفجروا فتنة طائفية وحربا أهلية!!
لا أحد يريد أن يسأل الأسئلة الحقيقية التي تحل الأزمة: ما سلطة الكنيسة في احتجاز الناس؟ لماذا يصر البطريرك على استمرار الأزمة وشحن المزيد من الغضب والاحتقانات؟
إذا كان "السلفيون" يُهاجَمون لأن الموضوع تافه ولا ينبغي إشعال الوطن من أجل امرأة واحدة، فلماذا لا يوجه هذا السؤال إلى الكنيسة؟ خصوصا وأن البطريرك يوصف بالحكمة والوطنية والعقل والحلم في مقابل السلفيين الذين يوصفون بالتوحش والشراسة والانغلاق وهم لا يتورعون عن قطع الآذان وشرب الدماء في روايات أخرى؟
فليتحل البابا بشيء من "الحكمة والحلم والعقل والوطنية" وليفوت على هؤلاء "المتوحشين" إشعال الوطن من أجل امرأة واحدة
0 التعليقات:
إرسال تعليق