في إطار ما تقوم به «صباح الخير» من ندوات وحوارات مع رموز مصر الثقافية والسياسية لنتحدث معًا عن مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير.. كان لابد من الحديث مع الدكتورة مني مكرم عبيد أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية وعضو مجلس الشعب السابق وأحد مؤسسي الحركة الوطنية من أجل دولة مدنية وديمقراطية... وهي حفيدة «مكرم عبيد» شريك سعد زغلول في ثورة 19، وأحد رموز مصر الوطنية صاحب المقولة الشهيرة: «نحن مسلمون وطنًا ونصاري دينًا»، فجاء حديثها مثمرًا لنا ولكل المصريين.
صباح الخير: ماذا حدث للمصريين؟! ذكرت اسم «أنكل مخلوف» في حديث لك عن طفولتك.. وقلت «قنا» أخرجت عبقريات في الفن والثقافة والوطنية- وقتذاك؟!
ياه رجعتم بي لزمن جميل.. وأنا في المدرسة كانت أجمل أيام حياتي، وكنا لا نريد الذهاب لمنازلنا، فالمدرسة تعني التعليم الجيد والتربية الحقة والتدريب علي المواهب والفن، الآن التلاميذ لا يريدون الذهاب للمدرسة لأنها أصبحت طاردة لا جاذبة، ثم تستكمل قائلة: أنكل مخلوف وزوجته كانا يحباني جدًا لدرجة أنني كنت أظنهما من العائلة بتواجدهما الدائم في بيت مكرم باشا، وكانت زوجته تذهب معي المدرسة لحل مشاكلي فقد كنت تلميذة مشاغبة وشخصيتي قوية من صغري.
وبعد ذلك عرفت أن أنكل مخلوف هو شقيق شيخ الأزهر وقتذاك- وأيضًا خال د.كمال أبو المجد وزير الثقافة السابق.
وأما عن «قنا» فحقًا كانت بلدا تخرج كبار المثقفين والعباقرة لكن بسبب 30 سنة من التخلف المتعمد لمصر كلها أخرجت «قنا» الكموني ومن يقطع الطريق والأذن.
صباح الخير: الحل؟!
- التعليم مفتاح لمشاكلنا.. هو بؤرة مشاكلنا ومفتاح الحل- لابد من الاستثمار في التعليم الجيد والحديث ليتماشي مع ما يحدث الآن.. الحياة حاليًا اسمها «التنافسية» والتنافس يأتي منه تعليم حديث، اليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا بلاد كانت مصر منذ ستين عامًا أقوي وأفضل منها بكثير الآن هم أين ونحن أين؟! نحن تراجعنا بشكل فظيع وحدث لنا كما يحدث للخشب من السوس تحولنا لكوم بودرة فلا تعليم جيد ولا صحة ولا مرور.. إلخ.
صباح الخير: كيف كانت زيارتك الأخيرة للولايات المتحدة؟
- في الحقيقة زيارة ناجحة ورجعت سعيدة ومبهورة من شباب مصر ورجالها المقيمين هناك، وأشكر الثورة وميدان التحرير الذي عرفني علي شاب مصري أمريكي اسمه أحمد نجيب وصديقه تامر محمود قال لي: ياريت تأتي لنا في أمريكا قلت: بشرط تعد وتجهز لي عدة لقاءات مع المصريين هناك وحدث بالفعل وقضيت هناك أسبوعين، يوميًا كنت أقوم بندوات ولقاءات عن الثورة وكيفية المشاركة لبناء مصر الحديثة ووجدت المصريين يريدون المشاركة بالمال وكل ما يطلب منهم لكن لا يعرفون القنوات الصحيحة للمشاركة وطلبوا مني مشاركتهم في الانتخابات وطلبت منهم مساعدة الشباب المتميز في مصر للحصول علي منح تعليمية وطلبت منهم تكوين «لوبي» مصري للضغط علي أمريكا.. لابد من عمل هيئة للمصريين في الخارج للعلماء ورجال الأعمال هؤلاء خبرات يجب الاستفادة منهم في الخارج.. أنا قلت هذا للدكتور شرف رئيس الوزراء وأبدي ترحيبه بالأفكار والمطالب.
صباح الخير: هل ذهبت المحبة والمودة والسماحة من المصريين؟!
- لا.. مازالت المحبة والسماحة تجمع أهل مصر.. ولكن ما يحدث الآن نتيجة سياسة متعمدة تتم منذ 30 سنة بإحياء سياسة الاحتقان بين الناس للحفاظ علي كراسي الحكم وأخيرًا علي التوريث!!
فمصر لديها مشاكل وقضايا كثيرة في التعليم والصحة وفساد وبدلاً من مواجهتها.. كنا نخلق مشاكل لفتنة طائفية، حتي الكلمة لم نكن نعرفها.. هذه كلمة جديدة.. ابحثوا في كتب التاريخ لن تجدوها!! فهذه هي الآلية التي استعملها النظام الفاسد للحفاظ علي وجوده، وخوفوا الأقباط «بفزاعة الإخوان» علي أساس أنه الذي يحميهم منهم.. فتركوا الملفات للأمن وهذا ملف سياسي وليس أمنيا.. وتركوا الأقباط للبابا.. ولكن ما كان يحدث قبل 1952 وفي عهد عبدالناصر كان «المجلس الملي» وهو مكون من كبار الشخصيات المسيحية هم حلقة الاتصال بين الأقباط والحكومة وبطريقة بسيطة بـ«تليفون» يكلموا الحكومة في أي مشكلة وتحل فورًا.
في عهد عبدالناصر لم تكن هذه المشاكل موجودة كان هناك مشروع قومي والكل متجه نحو هذا المشروع وماكنش فيه لهي الناس بالكورة أو بالفتن الطائفية.. وهذا ما عيشنا فيه النظام الفاسد 30 سنة!!
أما اليوم فأخطر شيء احساس الأقباط أن النظام لا يتخذ رد فعل سريعا يحدث ضدهم من اعتداءات وهذا ما يزيد من الغضب والحزن والخوف ولا تعرف رد الفعل.
والاحتجاجات والاعتصامات ووقف الإنتاج لابد من النظر في قضايانا المهمة وهي إنقاذ الاقتصاد من الانهيار.. واتخاذ المواقف الحاسمة وتجريم كل من يعتدي علي دور العبادة لأي ديانة وما يغذي الغضب عدم وجود معاقبات للقضايا والأحداث.. والأحكام غير حاسمة، لا توجد تحقيقات ولا أحكام جدية منذ أزمة أبوقرقاص والكشح ونجع حمادي وغيرها.
صباح الخير: د. مني أستاذ السياسة كيف تري الحل؟!
- من أكثر الأسباب لهذه المشكلة هي تدخل الدين في السياسة وهذا خطأ كبير بدأ منذ عهد أنور السادات الرئيس «المؤمن».. أما في عهد عبدالناصر لم يكن هذا الكلام موجودا، نحن قلقون من استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات القادمة ولابد من منعها لأنها هي التي تغذي روح الفتنة ولذلك من أهم الملامح التي ينبغي إصلاحها رفع الوعي الشعبي والعقل المصري بعد أن ظل لمدة 30 عامًا مهبا للتخويف والتشويه والخرافة.
لابد من فصل الدين عن السياسة، فالسياسة تتغير لكن الدين لا يتغير.
صباح الخير: هل الإعلام يستطيع أن يكون له دور في هذا؟!
- بالطبع الكل لازم يؤدي دوره ولكن الإعلام عليه توعية الناس بالحقائق التي لا تزيد من قلقهم وإحباطهم والحديث عن مستقبل مصر الحديثة وعن التعليم والصحة والمرور والعشوائيات ومشاركة الناس والمتخصصين وليس بالوجوه المضادة علي الفضائيات.. ولازم القائمين علي الإعلام بكل وسائله يدركون خطورة الموقف والحيطة الإعلامية أمام مسئولية وطنية.
وأنا أري أن الأهم من الإعلام هم شباب الثورة يجب عليهم الذهاب إلي النجوع والقري وعمل لجان تثقيف للناس في قصور الثقافة والساحات الشعبية والميادين تفهم الناس بدون تلقين وبالترغيب لا بالترهيب بلغة جديدة وبصبر، والناس نزلت يوم الاستفتاء تريد المشاركة يجب احتواؤهم ومشاركتهم في بناء مصر الجديدة بتوافق مجتمعي للوصول لعقد اجتماعي مستنير، ولا نهمل دور المثقفين الوطنيين بعد أن نجح النظام الفاسد في هروبهم أو توقفهم يجب الاستعانة بهم فمصر في أشد الحاجة لكل المخلصين في هذه الفترة الانتقالية الصعبة فالمثقفون هم بوصلة المجتمع وبدون بوصلة المجتمع يضيع وتصبح الساحة مفتوحة للآخرين!.
صباح الخير: د. مني كرم والنائبة السابقة ماذا تقول عن الانتخابات القادمة؟!
- بمناسبة الانتخابات أنا كان عندي مرارة شديدة من الانتخابات الأخيرة فبعد أن بلغت بفوزي بعدها بيوم زيفوا النتيجة وقالوا لم أفز... وطبعا هذا كان مقصوداً لمعرفتهم بأنني سأكون معارضة لفكرة التوريث.. ثم بعد ذلك طلبوا مني الدخول ضمن مقاعد التعيين فرفضت وقلت هذه إهانة للأقباط كأنهم «ذو احتياجات خاصة لازم توضع لهم مقاعد».
أتمني في الانتخابات القادمة عدم تهميش دور المرأة فكانت في الميدان وفي أول الصفوف في الاستفتاء الأخير وأنا مع القائمة النسبية غير المشروطة لتعطي فرصة أكبر للمرأة والأقباط والشباب والفلاحين وتمنع البلطجة والتزوير والفساد، وبتكلفة أقل علي المرشحين «الجهد والمال» ويتكون عمل جماعي وشغل انتخابي حر وعمل سياسي حقيقي.
صباح الخير: وهل توافقين علي مجلس الشوري رغم ما يقال أن تكلفته علي الدولة بدون فائدة؟!
- هذا كان مجلس الشوري قبل الثورة لكن بعد الثورة دعينا نري تجربته خاصة أنه في البلاد الأخري المجالس التي تشبهه تكون ذا فائدة كبيرة للدولة فهو مجلس مقام من مفكرين ومثقفين وعلماء وأساتذة.
ثم تضيف قائلة: أهم شيء قبل الانتخابات هو أن يكون هناك دستور جديد حتي نصل لعقد اجتماعي جديد حتي نري خريطة الطريق، لأننا مش عارفين شكل الوطن في الفترة القادمة.. وعلي الفضائيات مسئولية كبيرة في توعية الناس علي خطورة الموقف الحقيقي بعد ذلك تجري الانتخابات النيابية ثم الرئاسية وكل شيء لازم ينبني علي شعار الثورة خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية نحن في مفترق الطرق بين دولة دينية أو مدنية ولذا لابد من دستور جديد يؤسس هوية الدولة «مدنية ديمقراطية حديثة» مبنية علي مبدأ المواطنة بما يتوافق مع اتفاقية حقوق الإنسان التي وافقت عليها مصر منذ عام 48 ومن هنا المادة الثانية في الدستور لا تشغل بالنا!! نحن نريد دستورا جديدا يساهم في بناء هيكل جامع لإزالة أي تفرقة بين المسيحيين والمسلمين وفي نفس الوقت لابد من حماية صورة الإسلام من التطرف والمتطرفين وهذا دور الدولة كما قال الأستاذ هيكل: حماية النسيج الوطني.
وتستكمل د. مني حديثها: علي فكرة ظهور السلفيين علي الفضائيات زادوا من الوعي السياسي لدي المواطن البسيط فأخذ يسأل من هم هؤلاء ولماذا يقولون هذا وبدأ البعض يعرف كلاما في السياسة وما يحدث حولهم من صراعات.
صباح الخير: هناك بعض الأصوات تنادي بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل؟
- هذا غباء سياسي وكلام غير مسئول.. مصر تحترم اتفاقيتها الدولية وأنا معجب بشخصية السيد خالد مشعل وقال حول هذا: «أرجو من الشعب والشباب أن يبني مصر أولاً» وأنا أضيف قائلة: مصر لابد أن تقوي ثم تتكلم بعد ذلك في الشئون الأخري، لأن مصر عندما تقوي تقوي الشعوب العربية وبغياب مصر عن دورها المؤثر في المنطقة حدثت الانهيارات حولنا... للأسف مصر اختفت من «الرادار» في الفترة السابقة من حكم «الطيار»، ولابد من إعادتها والمسئولية كبيرة علي قادة الفكر لأنهم اختفوا في الفترة الأخيرة ما بين هروب واعتزال أو الذي صعد مع النظام السابق، الساحة الفكرية حدث لها تجريف وخلت من الفكر المستنير النهاردة عليهم دور وطني ومسئولية كبيرة لرفع وعي الناس عن المفاهيم الخاطئة ولابد من توافق مجتمعي لعقد اجتماعي جديد يتم عن طريق الحوارالجاد فالطريق نحو الديمقراطية طويل وشاق.
ثم قالت د. مني مكرم عبيد: في نهاية جلستكم الحميمة لم أعرف من المسلم ومن المسيحي رغم أنكم قلتم لي «النصف بالنصف» وأنا لا أريد أن أعرف من هؤلاء ومن هؤلاء وهذا أبلغ جواب علي أحد أسئلتهم السابقة فمصر ستظل دائماً نسيجا واحدا بسلاح العلم والتنوير، وأختم بدعاء مكرم عبيد يقول فيه: اللهم غني عن الغني
اللهم لا ميلا مع الهوي بل ميلا عن الهوي
اللهم لا تنصفنا علي حساب مواطنينا بل أنصف مواطنينا علي حسابنا
اللهم لا استقلال للحكم ولا محسوبية ولا فوضي بل نزاهة في الحكم وحكمة وتدبيراً
اللهم لا انتقاماً بل قصاصاً وتطهيراً
اللهم لا شماتة بل عبرة وتذكيراً
وختم الحوار الشاعر الكبير جمال بخيت بقصيدته المسحراتي:
المسحــراتــي
باقول يا دنيا هاتستريحي
لو تقري إيه اللي جه في صحيحي
تلقي التراحم بين النفوس
رمضان بلدنا
فانوس بمادنه
وعندي صاحب اسمه فانوس
جاري وشقيقي
إنسان حقيقي
زاح عن طريقي
حمل الكابوس
وديني قالي ما هوش تخلِّي
إنك تخلي الجميع يصلي
لا تقول دا بوذي
أو.. م المجوس
خليك في دينك
الله يعينك
علي الفتاوي وعلي اللصوص
مش كل عمَّة
علي راس أئمة
ولا أي ذمة
تدي الدروس
..
مسحراتي
باحب مريم
وأحب حنا
وعم بطرس
صاحبي في جنة
ربك خالقها
ويبل ريقها
نبيل نجاشي
في الأرض ماشي
مسحراتي؟
صباح الخير
0 التعليقات:
إرسال تعليق