صدر حديثا ضمن منشورات المعهد الدولى للتقارب بين الأديان وحوار الحضارات، والذى تأسس بعد أحداث 11 سبتمبر فى أمريكا، دراسة بعنوان "الزعماء الدينيين واصلاح المشاركة السياسية فى مصر" للباحثة جينا لارسون بويل، وتتناول الدراسة وضع ودور الجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية فى مصر بعد الثورة.
تشير الباحثة فى بداية الدراسة إلى أن نجاح المصريين فى عزل الرئيس السابق حسنى مبارك ليس كافيا لضمان تغيير المشهد السياسيى من بعده بشكل كامل حيث لابد أن يتجه
الزعماء الدينيون لإقناع الناس بأن الإصلاح السياسى لن يُنفذ بدون تحقيق رغبات المواطنين فى الحرية الدينية والمساواة والحريات المدنية وتشجيع الحوار الدينى وتوفير الخدمات الاجتماعية والمعالجة الدقيقة للتوترات الدينية والمجتمعية، وتقديم تفسيرات غير العنيفة للقرآن.
وأوضحت الباحثة أنه على الرغم من أن الدين لم يكن عاملا أساسيا لتحفيز الإحتجاجات المصرية إلا أن تأثيره كان واضحا فى تجمع المتظاهرين أمام الكنائس والمساجد، وصلاتهم سويا فى ميدان التحرير.
وأضافت الباحثة أن طبيعة الشعب المصرى المعروف عنه التدين بنسبة 99% لم يمكن الزعماء الدينيين من اكتساح البرلمان فى السنوات الماضية ولم يكن كفيلا لموافقة الدستور لهم بتأسيس أحزاب على أساس دينى حتى نوعا من التمييز بينهم وبين الأقليات الدينية الأخرى مثل الأقباط والبهائيين الذين يعانون من الحواجز البيروقراطية والإجتماعية الممثلة فى صعوبة دخول الجامعات أو استخراج بطاقات تحمل هويتهم الدينية أو التأسيس لأعمال تجارية حرة.
وأشارت إلى أن الجماعات الدينية ستحاول فى الفترة القادمة أن تنشر أفكارها وتحقق زيوعا كبيرا من خلال التخفى تحت ستار "أحزاب سياسية تعكس مبادئ دينية" وليست أحزابا سياسية خالصة فى حد ذاتها، وستعتمد على الإسلام لتعزيز الديمقراطية والعملية الانتخابية، موضحة أن الصراع بين الإسلاميين والمنظمات العلمانية مثل الحزب الديمقراطى الاجتماعى المصرى ومنظمات مسيحية مثل اتحاد الشباب القبطى، سيظل قائما حتى بعد الثورة.
وقالت الباحثة فى دراستها ليست كل الفرص متكافئة أمام الجماعات الدينية لتأسيس أحزاب خاصة بهم، وإن استطاع المسلمون فعل ذلك فإن الأقباط يواجهون صعوبة ترجع لتاريخ مصر من التمييز ضد غير المسلمين مستشهدة بقول للبابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية جاء فيه أن تشكيل حزب مسيحى معادل للأحزاب الإسلامية غير واقعى، وغير مثمر نظرا لتاريخ مصر من التمييز ضد غير المسلمين، وبخاصة نحو الأقباط، مقترحا أن ينضم المسيحيون لإخوانهم المسلمين فى الأحزاب لنشر فكرة التسامح بين الطرفين.
ونصحت الباحثة بضرورة تمثيل الزعماء الدينيين فى الجانبين خلال المؤتمرات وجلسات الحوار التى تعقدها منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى لبحث سبل وأد الاحتقان الطائفى ولتعزيز العلاقات مع الحكومة الجديدة حتى لا يكون الأمر فى أيدى المتطرفين خاصة بعدما أحتلت مصر مرتبة متقدمة فى قائمة أسوأ خمس دول حماية للأقليات الدينية بسبب القيود الحكومية والعداء الاجتماعى الذى مارسته السلطات السابقة تجاه الفئات الدينية غير المسلمة.
وتحدثت عن ضرورة أن تعكس الحكومة الجديدة القادمة تنوع الشعب المصرى، مع المساواة فى الحقوق والحرية الدينية للأقليات والممثلة تمثيلا ناقصا.والسماح للقيادات الدينية غير المسلمة بتكوين أحزاب سياسية وخلق فرص متكافئة وتعزيز الحرية الدينية للأقليات والقضاء على العقوبات البيروقراطية والإجتماعية التى تعيشها الجماعات غير الإسلامية ومعالجة التهميش الذى يواجه الأقليات فى المجتمع المصرى، بداية من مناصب رسمية عليا وصولا إلى المجالس التشريعية وموظفى الجامعة.
وأكدت الباحثة على أن الطبيعة السلمية "نسبيا" للثورة المصرية أظهرت أن المصريين تجاوزوا الخلافات الدينية والتوترات بين الأديان لإزالة مبارك إلا أن محاولات التبشير المتكررة والزواج المختلط والتقييد فى بناء دور العبادة، وحرية التعبير الدينى، سيظل سائدا فى المجتمع المصرى حتى يأتى قادة وزعماء دينيين مستنيرين فى انتخابات سبتمبر المقبل ليقضوا على كل هذا.
وأوضحت الباحثة أن هناك فى مصر الآن العديد من المنظمات الدينية المختلفة، والقادة المشاركين فى تعزيز الحريات المدنية وبناء المجتمع المدنى مثل الشيخ على جمعة، مفتى مصر ورئيس دار الإفتاء ؛ جورج إسحاق، وهو ناشط قيادى وعالم مسيحى قبطى؛ البابا شنودة؛ واتحاد الشباب القبطى؛ وهؤلاء القادة والمنظمات تعمل بجد وبشكل خلاق عبر عدة مجالات رئيسية حيوية لمستقبل مصر، سواء فى المدى القريب والطويل، من خلال تعزيز الحوار بين الأديان، فكثيرا ما يستخدم الدين كأداة للتحريض على الصراع، كما رأينا فى تصاعد العنف بين المسيحيين والمسلمين بعد حرق كنيسة قبطية فى مارس الماضى، وما أعقبها من محاولة مزعومة لحلفاء الرئيس مبارك لإثارة الفتنة الطائفية وتقويض فعالية الثورة، إضافة إلى رفض الاستجابة للشائعات والصور النمطية التى تغذى الكراهية والتعصب بين الجانبين من قبل القيادات الدينية.
وتابعت: خلق المنتديات للحوار المفتوح عبر خطوط دينية يمكن أن تكون أدوات هامة فى تنفيذ الإصلاح الاجتماعى والسياسى، تقديم الخدمات الاجتماعية. والبرامج العملية الأخرى التى تزيد من فرص التعليم وخلق الوظائف، وتعزيز المشاركة السياسية، بذل جهد خاص للوصول إلى الشباب فى مصر؛ "المحرك القوى للتجديد لهذا البلد" فى الوقت الراهن، وحل مشكلات الزواج بين الأديان، والتبشير، وبناء دور العبادة، والمادة الثانية من الدستور وذلك بمشاركة منسقة من القادة السياسيين والدينيين، ووضع قانون موحد لبناء دور العبادة، ونهاية التمييز القانونى، والتمثيل النيابى العادل، تقديم تفسيرات غير عنيفة للقرآن الكريم من خلال الاعتماد على الزعماء الدينيين فى مصر داخل المجتمعات المحلية لمقاومة التفسيرات العنيفة للقرآن من قبل الجماعات المتطرفة.
وقدمت الباحثة ملخصا للدراسة قائلة إن تحقيق تلك الأهداف، يعتمد على القادة الدينيين بعيدا عن شكل الحكومة التى من شأنها التعامل مع المؤسسات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية وسوف تعزز هذه الجهود الجديدة فى المحافل التى يمكن للمصريين فيها مناقشة التوترات الدينية السائدة فى المجتمع المدنى، وهذه التوترات لن تتبدد بين عشية وضحاها، وجهود الزعماء الدينيين هى الخطوة الأولى نحو الإصلاح، ففى مصر البرلمانية، يمكن للقادة الدينيين الدعوة إلى التسامح والإعتدال والمساواة لملأ الفراغ الذى تركه النظام المخلوع فى الآونة الأخيرة من خلال الضغط على الأحزاب السياسية لحماية الأقليات الدينية والنساء. وإذا نجحت السلطة الدينية فى تحقيق الأهداف، فإن النظام الجديد سيكون قادرا على تحقيق شيء أفضل لم ينجح نظام مبارك الاستبدادى فى فعله.
اليوم السابع
0 التعليقات:
إرسال تعليق