...وو

نحن هنا من اجلك
اذا كانت لـك اي طلبات مسـاعده اكتب لنا
ونحن سوف نتكاتف معك من اجل تحقيقها

yo

الخميس، مايو 26

عبد الحسين شعبان يكتب .. إمبابة وأخواتهاإ


أكثر من أربعة عقود مضت على ارتفاع موجة التعصّب الديني التي ضربت مصر والعديد من بلدان المنطقة، وزادت بعد الثورة الإيرانية عام ،1979 وتدريجياً فقد اتّسعت الاصطفافات الطائفية لتتحوّل إلى فتنة مستعرة مع مرور الأيام، بل يمكن القول، إنها أصبحت إحدى مظاهر الحياة السياسية التي تهدّد وحدة المجتمعات بما فيها المجتمع المصري الأكثر انسجاماً من الكثير من المجتمعات العربية، ولعل ما حصل في إمبابة في 


يوم 9 مايو/ أيار الجاري قد أعاد إلى الأذهان أعمال العنف ومحالاوت إلغاء الآخر وازدرائه، لاسيما بتعمّق الكراهية والتعصّب والتطرّف، الأمر الذي يحتاج إلى معاينة جدّية حول علاقة المسيحيين بالمسلمين، خصوصاً في إطار فكرة المواطنة والمساواة، الأساسين في الدولة العصرية .وإذا كان التعايش والتسامح من السمات التاريخية للشعب المصري، فإن ثمة عوامل ضاغطة، داخلية بالدرجة الأساس، وخارجية مساعدة، قادت إلى المزيد من التباعد والاحتراب الطائفي، حتى وإنْ كان أساسها سياسياً، لكنها دفعت أوساطاً واسعة وفي ظلّ حكم الاستبداد وضعف المواطنة ووهن المساواة، إلى التمترس الطائفي والتخندق الديني .

هكذا تحوّلت العديد من حالات الاحتقان إلى توتّر طائفي واندلاع للعنف، على الرغم من أن بعضها كان فردياً أو بدأ هكذا، لكنه تحوّل نهاية المطاف إلى عنف منفلت من عقاله في ظل خطاب إقصائي، ولهذا يخشى أن أحداث العنف الأخيرة في إمبابة وأخواتها وفي ظل ضعف مرجعية الدولة من أن تتحول إلى المزيد من حالة الانقسام المجتمعي، لاسيما في ظل الاصطفافات والاستقطابات الحاصلة، وانفلات بعض النزعات الكامنة والمكبوتة وردود الأفعال إزاءها، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على وحدة المجتمع وعلى العلاقات المسيحية- الإسلامية، لاسيما في إطار جهل بالدين وشحن طائفي تقوم به بعض الجماعات الدينية بالاتجاه نحو القطيعة، وفي ظروف التعصب والشائعات وعدم الشعور بالمسؤولية .

وإذا كانت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 قد أظهرت مدى وحدة وتسامح وحضارية ورقي الشعب المصري ونزوعه للسلام، بتياراته المختلفة وقواه المتنوّعة ودياناته واتجاهاته الفكرية والسياسية، فإن أعمال عنف وتخريب ضد المسيحيين وكنائسهم ستعني تأجيج المشاعر الطائفية وتغذية الانقسامات الدينية مجدداً، الأمر الذي يمكن حسابه على الثورة المضادة أو بقايا النظام السابق، في حين لم تسجّل الوقائع أي حادثة خرق كبيرة خلال الانتفاضة العارمة الموحّدة والمؤتلفة حول شعار مركزي أساسي واحد هو رحيل النظام ورأسه محمد حسني مبارك .


وإذا استثنينا حادث كنيسة صول بأطفيح، فإن تلاحماً كبيراً وتعاوناً شاملاً كان الملمح الأكثر إثارة في ميدان التحرير وميادين الانتفاضات الشعبية، مع إعلان احترام الديانات، لاسيما عندما شاهد العالم كله كيف يصلّي المسيحي إلى جانب المسلم وكيف يحمي هذا ذاك، وكيف اصطف الشباب لحماية المتحف المصري من أعمال السرقة أو الدهم أو التخريب؟

هناك أسباب تاريخية تقف وراء الاحتقانات والتوتّرات، فالأمر لا يقتصر على مجرد بعض الحوادث الفردية، بإشهار إسلام فتاة أو اختباء أخرى في كنيسة أو غيرها، بل هي أسباب عميقة الغور في مجمل النظام السياسي وعقليته التي حكمت البلاد عقوداً من الزمان، ولعل هذا أفرز نوعاً من التراكم وردود الفعل لدى المسيحيين والأقباط الذين شعروا بالتمييز السياسي أو الديني أو الاجتماعي أو في توّلي الوظائف العليا، وكذلك في ممارسة طقوسهم وبناء كنائسهم وصروحهم الدينية بحرية ومن دون تمييز، وكل ذلك انعكس على إضعاف الهوية العامة الجامعة القائمة على أساس المشترك الإنساني، فضلاً عن التنكّر للهويات الفرعية . هكذا تولّد شعور عام لدى الغالبية الساحقة من الأقباط بوجود ظلم واضطهاد يقع عليهم، ولعل هذا يتم التعبير عنه على نحو مباشر أو غير مباشر، سواءً منظوراً أو مستتراً، ولكنه يرتفع ويبرز عند اندلاع أعمال العنف وصعود وتيرة التشدد والتطرّف والغلو من بعض الإسلامويين، من خلال التنظير والتبشير أو من خلال التفسير والتبرير .

ولعل ما أسهم مؤخراً في أعمال العنف هو ضعف الأمن نسبياً واستشراء ظاهرة البلطجة ووجود كمية من السلاح الذي لم تعرفه مصر سابقاً، وإظهار وجه “السلفيين” المتشددين، الذين وجدوا الفرصة حالياً، لإعلان شعاراتهم والتبشير بأفكارهم والتجاوز على مؤسسات الدولة . يضاف إلى ذلك تفشي الفقر والجهل في المناطق العشوائية والمهمّشة وضعف الوعي بشكل عام والوعي الديني بشكل خاص، الأمر الذي أدى إلى الانفلات من جهة، ومن جهة أخرى عزز الاعتقاد السائد بأن أعمال العنف ليست عشوائية أو اعتباطية، بل هي منظّمة، خصوصاً في ظل ضعف ثقة المسيحيين بإجراءات الحكومة، وكذلك عدم إنزال العقاب بالمرتكبين، الأمر الذي ضاعف من الشكوك بعدالة الإجراءات المتّبعة لمواجهة مثل هذه الأعمال الإجرامية .

وإذا كان وجود كيانية دينية إسلامية أو مسيحية مسألة قائمة، فإن هذا الوجود سيخسر كثيراً إذا استمرّ نهج التعصب والإلغاء ومحاولة التسيّد وعدم الاعتراف بالحق والحرية في اتباع أي دين وكفالة ذلك قانوناً من جانب الكيانية الإسلامية، أما التفتيش في العقول والمنازل والكنائس، فهو أمر يسيء إلى الإسلام وصورته السمحاء . كما تخطئ الكيانية المسيحية إذا وضعت أمر الأقباط خارج نطاق دائرة النضال من أجل دولة مدنية موحدة تسود فيها مبادئ المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، من دون أي تمييز، وستزداد هذه الخسارة فداحة بالمراهنة على قوى خارجية، قد تستغلها لأغراضها الخاصة وليس لتحقيق أهدافها .

وهذا الأمر يتطلب اتّخاذ إجراءات سريعة حكومياً وشعبياً، بما فيها من جانب الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، لوضع حلول قانونية وعملية ومجتمعية ودينية للمشكلات المتراكمة، ووضع حد للخطابات المتشددة لبعض رجال الدين وأئمة الجوامع وبعض ردود فعل رجال الدين المسيحيين، وضرورة تأسيس “مجمّع” ديني معرفي يضم الأزهر والكنيسة على حد سواء وعلى أساس الاحترام المتبادل، وزيادة نسبة تولّي الأقباط الوظائف العليا على أساس الكفاءة والنزاهة والمساواة في جميع مرافق الدولة ومؤسساتها بما فيها في البرلمان، إضافة إلى المجالس المحلية، وكذلك وضع عقوبات شديدة إزاء أعمال العنف وثقافة الكراهية والانتقام والثأر ونشر ثقافة السلام والتسامح والمساواة، بديلاً عنها، فضلاً عن أهمية التفاعل والتبادل الثقافي وفتح حوار مستمر سلمي ومدني بين المكوّنات المختلفة، مع احترام الخصوصيات والهوية الفرعية في إطار الهوية العامة الجامعة، من خلال إقرار التنوّع الثقافي وحرية الآخر وحقوقه .

إن حادثة إمبابة التي امتدّت إلى كنيسة مار مينا وكنيسة العذراء وسقط بسببها 15 شخصاً وأصيب فيها نحو 272 آخرين، واستخدمت فيها قنابل مولوتوف، تذكّر بما حدث في كنيسة القديسين في الإسكندرية أو كنيسة نجع حمادي أو كنيسة صول بأطفيح، وهي نذير خطر على الانتفاضة الشعبية ومنجزاتها السلمية المدنية الكبيرة، الأمر الذي يتطلّب تطويقها ووضع حد لنتائجها ومعالجة أسبابها الحقيقية . وأظن أن هذا هو السبب في اعتصام المسيحيين أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري، حيث يتطلب إصدار قانون جديد لدور العبادة، بتأكيده منع التمييز والاعتراف بالفرص المتساوية ووضع قانون جديد للأحوال الشخصية مع مراعاة الخصوصيات، ولعل هذا ما ذهبت إليه مؤسسة عالم جديد لتنمية وحقوق الإنسان (مرصد الإصلاح والمواطنة) في تقريرها الخاص بأحداث الفتنة الطائفية بإمبابة (مايو/ أيار 2011) .

إن تنامي التيارات المتعصبة في مصر وفي بعض البلدان العربية والسعي لتكفير كل من يخالفها الرأي، بحجة التمسك بالأصول والهوية، والوقوف ضد الآخر سواءً كان علمانياً أو يختلف معها في التفكير، باعتباره خارجاً على الدين والملّة، ينذر بعواقب وخيمة، خصوصاً أن المسيحيين هدف سهل، ولعل بعض هذه التيارات وفي ظروف تراجع دور القوى اليسارية والديمقراطية والوطنية والقومية، قد اندفعت لرفع شعارات “لا ولاية لكافر على مؤمن” و”لا ولاية لذمّي على مسلم”، الأمر الذي يعني الإقصاء والتهميش وعدم المساواة .

لا شك في أن المسيحيين المصريين يخافون على مستقبلهم فقد استُهدف قبلهم المسيحيون في فلسطين والعراق ولبنان، وكانوا عُرضة للكثير من الألاعيب الدولية أيضاً، واضطرّ الكثيرون منهم إلى الهجرة في ظل غياب الحرية والمساواة، وزيادة التطرف الديني والتشكيك في هويتهم الوطنية والتنكر لهويتهم الفرعية .

0 التعليقات:

إرسال تعليق