من بين كل ماقرأت في تناول أزمة الأقباط الأخيرة، عقب أحداث إمبابة، أدهشني مقال طريف، مقال لو كتبه سلفي متشدد من المتورطين في إحراق الكنائس، أو لو تقيأه إسلامي متحفز أمام كاميرات اليوتيوب الخفية، ما كان ليخرج بهذه العرامة التي أحسد عليها كاتبه. اسمحوا لي قبل أن أبدأ كلامي أن أعرب عن عميق حسدي ونفسنتي علي عنوان المقال "لعن الله ساس ويسوس".. الذي اقتبسه الكاتب عن الإمام المستنير "محمد عبده" ليزج به في غير موضعه.. فجاء مضحكا من حيث لم يحتسب مقتبسه، متوجا هامة مقال يخاصم التنوير جملة وتفصيلا.. أما المقال نفسه، فلم يشر الرجل
والحمد لله لاقتباسه من جهة ما، خارجية أو داخلية. بعد الصلاة علي النبي، استهل الزميل مقاله بعتاب رقيق للأقباط علي ما يسببونه من إزعاج يومي للأمن العام وللنائمين في ماسبيرو في أوقات العمل الرسمية، وعلي مايصدر منهم من ألفاظ خادشة لحيائه وحياء السادة القراء فيقول:
"الكل أصبح يتأفف مما يسمعه أمام مبني الاذاعة والتليفزيون في ماسبيرو، من ألفاظ تخدش الحياء، ومن تطاول علي رموز الدولة،وإهانة لرجال الإعلام،والتعدي علي المارة بالسب والقذف.. هل هذا يصح من المعتصمين المسيحيين أمام مبني ماسبيرو؟.. وهل في سلوكهم مكسب لهم ولمطالبهم وهم يلعنون الناس بأبواقهم؟
مبدئيا، يصلح هذا المقطع الجهبذ ليكون بلاغا ركيكا، بلاغا لا يكتفي فيه بالتحريض والتأكيد علي إهانة "رموز الدولة"، ذلك المصطلح الذي تفوح منه رائحة التأليب والتحريض، لكنه، وهذا هو الأفدح، تحريض للناس أنفسهم علي جماعة تنتمي لهم.. يتضمن فتوي بحل دمهم كمجرمين.
هكذا أجمع الكاتب علي أن "الكل" وليس البعض أصبح يتأفف من مطالب الأقباط وألفاظهم الخارجة التي تنادي، وياللعجب، باحترام كنائسهم وبتفعيل قانون دور العبادة الموحد. ليت "البلاغ" اقتصر علي ذلك، فقد صال الرجل وجال في ميدان الأخلاق الحميدة، فشجب وأدان وخون، ممسكاً بعصا غليظة ويكمل قائلا:
"ألم يكن في مسلكهم هذا اختراق لخصوصية وكرامة الناس وأن يصدروا ازعاجا مستمرا ليل نهار لأناس لا ذنب لهم في شيء.. المليونيات تجئ وتذهب وهم قابعون أمام المبني.. (يعني المليونيات مش مزعجة ومظاهرة الأقباط بس هي اللي مزعجة؟) قداسة البابا يأمر بانصرافهم وهم يهتفون مش حنمشي وكأن كلام البابا كلمة السر لاستمرارهم (الجملة دي مش فاهمها.. ازاي كلام البابا كلمة السر لاستمرارهم إذا كانوا كسروا كلامه؟)..
في هذا المقطع تتجلي بلاغة الزميل، وعمق تحليله.. فهو يتحدث عن الإزعاج وكأنه يقدم بلاغا في جاره الذي يزعج نومه.. ويؤكد، دون مواربة، أن الأقباط اخترقوا خصوصية الناس وكرامتهم.. (هل هذا تحريض واضح ضدهم أم أنني أتخيل؟) ثم إن الكاتب وضع تقسيما جديدا للمصريين، يجعل من عنصري الأمة: ناسا وأقباطاً، بعد أن ظل لسنوات طويلة مسلمين وأقباطاً.
يكمل الكاتب: "أي قانون الذي يهتفون من أجله؟ وأي مدنية يطالبون بنزع دينها؟ وأين الأمن الذي عملوا من أجله لكي يطالبوا بوجوده الآن؟ وأين اليد الواحدة والكل يتطاول وكأن العرف والأخلاق في إجازة؟".. ولا أعرف لماذا يوجه هذا الكلام للأقباط بالذات؟! وإمعانا في إغاظتهم، يختار الكاتب تصريحا لعبد المنعم أبوالفتوح، القيادي الإخواني، ليزايد به عليهم، وليعلمهم أصول المجتمع المدني عبر واحد من أحفاد حسن البنا، يقول: "ها هو عبدالمنعم أبوالفتوح، الوجه الإخواني المعروف، يقول في حوار له أجراه مع مجلة الوطن العربي في عددها الأخير: لاتوجد دولة حقيقية في الوطن العربي إلا مصر، بعد العراق التي دمرت، وباقي الدول بالنسبة لمصر مثل العزب أو النجوع".. ولا أعرف كيف يستشهد رئيس التحرير بتصريح مثل هذا، يمارس عنصريته علي كل الدول العربية .. ليطلب من خلاله من الأقباط التخلي عن عنصريتهم التي يتوهمها!.. يا زين ما اخترت يا باشا.. بترد علي الأقباط بالإخوان المسلمين؟!
ولكي ينصف كاتب المقال السلفيين، ويزيل عن كاهلهم الطيب التهمة المخجلة، التي لا تليق كما نعرف بأفكارهم المتنورة، وجهها لإسرائيل، داعما كلامه بأدلة دامغة لا يمكن دحضها، ومؤكدا أن الاحتقان الطائفي لا يمكن أن يكون مصدره الإسلاميون المتشددون. سأقتطع لك جزءا من هذا التحليل لأحداث امبابة علي شرط، ألا تموت من الضحك . يسألنا كاتب المقال ويسألكم: "هل هناك علاقة بين هذا الحادث وتصريحات نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن تل أبيب لديها من الأساليب التي تعبر بها عن غضبها للقاهرة؟!.. ما سبب قيام إسرائيل في هذا التوقيت بنشرصور أسري 67 وهم عرايا؟ هل هذا تحذير بأن حادث امبابة كان عينة مما تستطيع خلايا الموساد فعله في مصر؟!".
تحليل عبقري طبعا، ضرب الرجل عصفورين بحجر: حرضك علي الأقباط والصهاينة بجرة قلم لولبية، وخرج بالموضوع تماما عن شبهة تورط السلفيين، لا سمح الله، أو حتي فلول أمن الدولة، لاقدر الله، فيما يحدث من إشعال للفتنة بعد نجاح ثورة عظيمة.
لو كان الأمر بيدي لنشرت المقال كاملا، خاصة أنه، الشهادة لله، ليس فيه جزء أكثر عبقرية من جزء.. ولا فضل فيه لمقطع علي مقطع.. هو نسيج واحد كالبنيان المرصوص.. نسيج منسجم كالشعب المصري في أشد أحلامنا تفاؤلا بتماسكه وتآخيه.
روزاليوسف
والحمد لله لاقتباسه من جهة ما، خارجية أو داخلية. بعد الصلاة علي النبي، استهل الزميل مقاله بعتاب رقيق للأقباط علي ما يسببونه من إزعاج يومي للأمن العام وللنائمين في ماسبيرو في أوقات العمل الرسمية، وعلي مايصدر منهم من ألفاظ خادشة لحيائه وحياء السادة القراء فيقول:
"الكل أصبح يتأفف مما يسمعه أمام مبني الاذاعة والتليفزيون في ماسبيرو، من ألفاظ تخدش الحياء، ومن تطاول علي رموز الدولة،وإهانة لرجال الإعلام،والتعدي علي المارة بالسب والقذف.. هل هذا يصح من المعتصمين المسيحيين أمام مبني ماسبيرو؟.. وهل في سلوكهم مكسب لهم ولمطالبهم وهم يلعنون الناس بأبواقهم؟
مبدئيا، يصلح هذا المقطع الجهبذ ليكون بلاغا ركيكا، بلاغا لا يكتفي فيه بالتحريض والتأكيد علي إهانة "رموز الدولة"، ذلك المصطلح الذي تفوح منه رائحة التأليب والتحريض، لكنه، وهذا هو الأفدح، تحريض للناس أنفسهم علي جماعة تنتمي لهم.. يتضمن فتوي بحل دمهم كمجرمين.
هكذا أجمع الكاتب علي أن "الكل" وليس البعض أصبح يتأفف من مطالب الأقباط وألفاظهم الخارجة التي تنادي، وياللعجب، باحترام كنائسهم وبتفعيل قانون دور العبادة الموحد. ليت "البلاغ" اقتصر علي ذلك، فقد صال الرجل وجال في ميدان الأخلاق الحميدة، فشجب وأدان وخون، ممسكاً بعصا غليظة ويكمل قائلا:
"ألم يكن في مسلكهم هذا اختراق لخصوصية وكرامة الناس وأن يصدروا ازعاجا مستمرا ليل نهار لأناس لا ذنب لهم في شيء.. المليونيات تجئ وتذهب وهم قابعون أمام المبني.. (يعني المليونيات مش مزعجة ومظاهرة الأقباط بس هي اللي مزعجة؟) قداسة البابا يأمر بانصرافهم وهم يهتفون مش حنمشي وكأن كلام البابا كلمة السر لاستمرارهم (الجملة دي مش فاهمها.. ازاي كلام البابا كلمة السر لاستمرارهم إذا كانوا كسروا كلامه؟)..
في هذا المقطع تتجلي بلاغة الزميل، وعمق تحليله.. فهو يتحدث عن الإزعاج وكأنه يقدم بلاغا في جاره الذي يزعج نومه.. ويؤكد، دون مواربة، أن الأقباط اخترقوا خصوصية الناس وكرامتهم.. (هل هذا تحريض واضح ضدهم أم أنني أتخيل؟) ثم إن الكاتب وضع تقسيما جديدا للمصريين، يجعل من عنصري الأمة: ناسا وأقباطاً، بعد أن ظل لسنوات طويلة مسلمين وأقباطاً.
يكمل الكاتب: "أي قانون الذي يهتفون من أجله؟ وأي مدنية يطالبون بنزع دينها؟ وأين الأمن الذي عملوا من أجله لكي يطالبوا بوجوده الآن؟ وأين اليد الواحدة والكل يتطاول وكأن العرف والأخلاق في إجازة؟".. ولا أعرف لماذا يوجه هذا الكلام للأقباط بالذات؟! وإمعانا في إغاظتهم، يختار الكاتب تصريحا لعبد المنعم أبوالفتوح، القيادي الإخواني، ليزايد به عليهم، وليعلمهم أصول المجتمع المدني عبر واحد من أحفاد حسن البنا، يقول: "ها هو عبدالمنعم أبوالفتوح، الوجه الإخواني المعروف، يقول في حوار له أجراه مع مجلة الوطن العربي في عددها الأخير: لاتوجد دولة حقيقية في الوطن العربي إلا مصر، بعد العراق التي دمرت، وباقي الدول بالنسبة لمصر مثل العزب أو النجوع".. ولا أعرف كيف يستشهد رئيس التحرير بتصريح مثل هذا، يمارس عنصريته علي كل الدول العربية .. ليطلب من خلاله من الأقباط التخلي عن عنصريتهم التي يتوهمها!.. يا زين ما اخترت يا باشا.. بترد علي الأقباط بالإخوان المسلمين؟!
ولكي ينصف كاتب المقال السلفيين، ويزيل عن كاهلهم الطيب التهمة المخجلة، التي لا تليق كما نعرف بأفكارهم المتنورة، وجهها لإسرائيل، داعما كلامه بأدلة دامغة لا يمكن دحضها، ومؤكدا أن الاحتقان الطائفي لا يمكن أن يكون مصدره الإسلاميون المتشددون. سأقتطع لك جزءا من هذا التحليل لأحداث امبابة علي شرط، ألا تموت من الضحك . يسألنا كاتب المقال ويسألكم: "هل هناك علاقة بين هذا الحادث وتصريحات نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن تل أبيب لديها من الأساليب التي تعبر بها عن غضبها للقاهرة؟!.. ما سبب قيام إسرائيل في هذا التوقيت بنشرصور أسري 67 وهم عرايا؟ هل هذا تحذير بأن حادث امبابة كان عينة مما تستطيع خلايا الموساد فعله في مصر؟!".
تحليل عبقري طبعا، ضرب الرجل عصفورين بحجر: حرضك علي الأقباط والصهاينة بجرة قلم لولبية، وخرج بالموضوع تماما عن شبهة تورط السلفيين، لا سمح الله، أو حتي فلول أمن الدولة، لاقدر الله، فيما يحدث من إشعال للفتنة بعد نجاح ثورة عظيمة.
لو كان الأمر بيدي لنشرت المقال كاملا، خاصة أنه، الشهادة لله، ليس فيه جزء أكثر عبقرية من جزء.. ولا فضل فيه لمقطع علي مقطع.. هو نسيج واحد كالبنيان المرصوص.. نسيج منسجم كالشعب المصري في أشد أحلامنا تفاؤلا بتماسكه وتآخيه.
روزاليوسف
0 التعليقات:
إرسال تعليق