توتر ساخن تشهده العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر على خلفية قصص
وحكايات وهمية اصطنعتها فلول النظام السابق، إضافة إلى طغمة من رجال
الأعمال المنتفعين في محاولة لإجهاد ثورة 25 يناير وإجهاضها. وكانت مشاهد
التقارب التي جمعت المسلمين والأقباط في «ميدان التحرير» على مدار 18 يوماً
علامة مضيئة على أن مصر تسير على طريق ديموقراطي جديد بعد اقتلاع جذور
الاستبداد من جسد الدولة المصرية. والأرجح أن الخلاف والخصام بين مكونات
المجتمع المصري (المسلمين والأقباط) قد يقود إلى تأكل انتصارات شباب الثورة
المصرية وإنجازاتهم، إضافة إلى أن فيروس الطائفية يضعف نسيج المجتمع كله،
وقد يؤدي إلى انهيار الدولة أو تفكك العلاقات
المجتمعية، فضلاً عن فتح الباب واسعاً أمام الاستقواء بالخارج.
وكشف حادث إمبابة ومن قبله حادث كنيسة «صول»، في إحدى القرى القريبة من القاهرة، استمرار العقلية التقليدية في التعامل مع المشكلة الطائفية، والنظر إليها كمجموعة حوادث منفصلة في غياب أي رؤية شاملة للأسباب أو المظاهر أو الحلول. والواقع أن تواتر أحداث العنف الطائفي في أعقاب نجاح الثورة المصرية جاء نتيجة غياب التدخل السليم للمجلس العسكري وحكومته، وارتكازهما على الحلول الدينية والأمنية التي عفا عليها الزمن مع تنحية القانون وإجراءاته العقابية جانباً.
وأدى ذلك القصور إلى إفراز الصراعات وما يتبعها من مظاهر عنف طائفي بين الأفراد والمجموعات الطائفية المختلفة، إضافة إلى تعمق مخاوف وشكوك مسيحية، لا سيما مع تصاعد نفوذ الإسلاميين في أعقاب إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك. وهنا، يطرح سؤال حول دور الأقباط سياسياً في المرحلة المقبلة، وتعظيم مشاركتهم عملياً في صوغ النظام المصري الجديد الذي بدأت ملامحه تتبلور ببطء من تحت أنقاض الاستبداد، خصوصاً أن النظام السابق ساهم طوال العقود الثلاثة الفائتة، في شكل أو في آخر، في استمرار ضعف المشاركة السياسية للأقباط، باستمرار تبني فكرة تعيينهم في البرلمان، الأمر الذي أضعف في جوهره الأقباط وانتقص من صدقية صورتهم السياسية. ودلل على ذلك رشدي سعيد، أستاذ الجيولوجيا، حين قال: «إن وجود الأقباط في البرلمان منذ ثورة تموز (يوليو) حتى اليوم أصبح راجعاً إلى عطف الحاكم لا إلى إرادة الشعب». وعلى رغم طموحات قبطية لاحت في الأفق بدور أكثر فاعلية في الحياة السياسية المصرية قبل اندلاع الاحتجاجات مطلع العام الحالي على خلفية تعديل المادة (1) من الدستور، والتي أكدت أن مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم على أساس المواطنة، إلا أن المشاركة القبطية في الحياة السياسية المصرية لم تعكس المستوى المأمول به. وإذا كان ضعف المشاركة السياسية للأقباط في الحياة السياسية المصرية وبقاؤهم دوماً في محطة الانتظار يعودان بالأساس إلى كون العملية السياسية ظلت محكومة في ما مضى بأطر تقليدية أكثر منها حداثية، نجح النظام السابق في تعميقها وتأجيجها، إضافة إلى الرصيد العائلي أو العشائري أو الخدمي الشخصي الذي ظل هو المعيار الحاكم للتمثيل السياسي، وليس الانتماء الحزبي أو الفكري أو المؤسسي. وقد يبدو الآن الوضع مغايراً ومحفزاً، بالنظر إلى كسر التابوات القبلية والعشائرية وصوغ التفاعلات السياسية على أساس أيديولوجي وفكري يتعزز مساره يوماً بعد يوم. وأظهرت المشاركة القبطية في ثورة 25 يناير مدى شوقهم للمشاركة في الحياة السياسية بعد أن رفعوا الوصاية الكنسية عن ممارساتهم السياسية، إضافة إلى دورهم في إرساء بناء جديد للوحدة الوطنية غير المحاطة بالسياج الأمني مع إخوانهم المسلمين. وحمل مشهد التلاحم الوطني بينهما في ميدان الثورة دلالات إيجابية عدة، في مقدمها غياب الشعارات الدينية. وعبرت لافتات مثل «أحمد ومينا إيد واحدة»، و «يلا يا مسلم يلا يا مسيحي... كلنا مع بعض في وقفة واحدة»، التي رفعها المحتجون أثناء الثورة أن لعبة الفتنة الطائفية على أساس ديني هي ورقة سياسية لعب بها النظام السابق، وأن لا وجود بين أبناء الشعب المصري مطلقاً لبذور هذه الفتنة أو أي أرضية لها، بل ثمة تجانس وطني رائع ونسيج متين من الانتماء إلى وطن واحد ومصير واحد. يبقى القول إن تعظيم المشاركة القبطية، سواء في التفاعلات السياسية والمجتمعية اليومية أو الترشيح لعضوية المجالس النيابية يجب أن يكون أكثر فاعلية من ذي قبل، فشباب الأقباط جزء من شباب مصر الذي صنع هذه الثورة، وهو قادر على التغيير أيضاً ولديه الكثير من الإمكانات والقدرات التي تؤهله للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.?
* كاتب مصري
دار الحياه
المجتمعية، فضلاً عن فتح الباب واسعاً أمام الاستقواء بالخارج.
وكشف حادث إمبابة ومن قبله حادث كنيسة «صول»، في إحدى القرى القريبة من القاهرة، استمرار العقلية التقليدية في التعامل مع المشكلة الطائفية، والنظر إليها كمجموعة حوادث منفصلة في غياب أي رؤية شاملة للأسباب أو المظاهر أو الحلول. والواقع أن تواتر أحداث العنف الطائفي في أعقاب نجاح الثورة المصرية جاء نتيجة غياب التدخل السليم للمجلس العسكري وحكومته، وارتكازهما على الحلول الدينية والأمنية التي عفا عليها الزمن مع تنحية القانون وإجراءاته العقابية جانباً.
وأدى ذلك القصور إلى إفراز الصراعات وما يتبعها من مظاهر عنف طائفي بين الأفراد والمجموعات الطائفية المختلفة، إضافة إلى تعمق مخاوف وشكوك مسيحية، لا سيما مع تصاعد نفوذ الإسلاميين في أعقاب إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك. وهنا، يطرح سؤال حول دور الأقباط سياسياً في المرحلة المقبلة، وتعظيم مشاركتهم عملياً في صوغ النظام المصري الجديد الذي بدأت ملامحه تتبلور ببطء من تحت أنقاض الاستبداد، خصوصاً أن النظام السابق ساهم طوال العقود الثلاثة الفائتة، في شكل أو في آخر، في استمرار ضعف المشاركة السياسية للأقباط، باستمرار تبني فكرة تعيينهم في البرلمان، الأمر الذي أضعف في جوهره الأقباط وانتقص من صدقية صورتهم السياسية. ودلل على ذلك رشدي سعيد، أستاذ الجيولوجيا، حين قال: «إن وجود الأقباط في البرلمان منذ ثورة تموز (يوليو) حتى اليوم أصبح راجعاً إلى عطف الحاكم لا إلى إرادة الشعب». وعلى رغم طموحات قبطية لاحت في الأفق بدور أكثر فاعلية في الحياة السياسية المصرية قبل اندلاع الاحتجاجات مطلع العام الحالي على خلفية تعديل المادة (1) من الدستور، والتي أكدت أن مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم على أساس المواطنة، إلا أن المشاركة القبطية في الحياة السياسية المصرية لم تعكس المستوى المأمول به. وإذا كان ضعف المشاركة السياسية للأقباط في الحياة السياسية المصرية وبقاؤهم دوماً في محطة الانتظار يعودان بالأساس إلى كون العملية السياسية ظلت محكومة في ما مضى بأطر تقليدية أكثر منها حداثية، نجح النظام السابق في تعميقها وتأجيجها، إضافة إلى الرصيد العائلي أو العشائري أو الخدمي الشخصي الذي ظل هو المعيار الحاكم للتمثيل السياسي، وليس الانتماء الحزبي أو الفكري أو المؤسسي. وقد يبدو الآن الوضع مغايراً ومحفزاً، بالنظر إلى كسر التابوات القبلية والعشائرية وصوغ التفاعلات السياسية على أساس أيديولوجي وفكري يتعزز مساره يوماً بعد يوم. وأظهرت المشاركة القبطية في ثورة 25 يناير مدى شوقهم للمشاركة في الحياة السياسية بعد أن رفعوا الوصاية الكنسية عن ممارساتهم السياسية، إضافة إلى دورهم في إرساء بناء جديد للوحدة الوطنية غير المحاطة بالسياج الأمني مع إخوانهم المسلمين. وحمل مشهد التلاحم الوطني بينهما في ميدان الثورة دلالات إيجابية عدة، في مقدمها غياب الشعارات الدينية. وعبرت لافتات مثل «أحمد ومينا إيد واحدة»، و «يلا يا مسلم يلا يا مسيحي... كلنا مع بعض في وقفة واحدة»، التي رفعها المحتجون أثناء الثورة أن لعبة الفتنة الطائفية على أساس ديني هي ورقة سياسية لعب بها النظام السابق، وأن لا وجود بين أبناء الشعب المصري مطلقاً لبذور هذه الفتنة أو أي أرضية لها، بل ثمة تجانس وطني رائع ونسيج متين من الانتماء إلى وطن واحد ومصير واحد. يبقى القول إن تعظيم المشاركة القبطية، سواء في التفاعلات السياسية والمجتمعية اليومية أو الترشيح لعضوية المجالس النيابية يجب أن يكون أكثر فاعلية من ذي قبل، فشباب الأقباط جزء من شباب مصر الذي صنع هذه الثورة، وهو قادر على التغيير أيضاً ولديه الكثير من الإمكانات والقدرات التي تؤهله للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.?
* كاتب مصري
دار الحياه
0 التعليقات:
إرسال تعليق