هناك تحفظ واسع على مسودة القانون الموحد لبناء دور العبادة، سمعنا ذلك من مسلمين ومسيحيين على السواء.. أسباب التحفظ كثيرة، بعضها يعود إلى اشتراط المساحة المطلوبة لبناء كنيسة أو مسجد (1000 متر)، وهى مساحة يصعب توفيرها فى كل الأحيان فضلا عن أن المسافة
الفاصلة بين كل دار عبادة وأخرى قد تشكل حائلا أمام البناء، والبحث فى الكثافة السكانية يفتح الباب أمام تحيزات ومزايدات كثيرة، إلى جانب وضع الأمر فى يد المحافظ قد يترتب عليه إشكالات كثيرة أبرزها التصورات الشخصية لكل محافظ على حدة، وقدرته على اتخاذ القرار.هذه مسائل لائحية وإجرائية، ولكن الأسئلة الأساسية الكامنة فى هذا الملف مسكوت عنها. فى السابق كانت وزارة الداخلية، وبالأخص أمن الدولة مسؤول عن ملف بناء الكنائس. وهناك شروط عشرة شهيرة وضعت فى عهد العزبى باشا- وكيل وزارة الداخلية- تحكم عملية بناء الكنائس عام 1934، تنطوى على أسئلة مثل التى نحن بصددها مثل قرب الكنيسة المراد بناؤها من كنيسة أخرى تتبع نفس الطائفة، قرب المكان المراد البناء عليه من السكة الحديد، وإذا كانت فى وسط كثافة سكانية مسلمة ما رأيهم فى بناء الكنيسة، وهل لديهم اعتراض على ذلك؟
هذه الشروط العشرة طالب الأقباط والمسلمون مرارا وتكرارا بإلغائها، وبالمناسبة لا يوجد ما يطلق عليه «الخط الهمايونى» الذى يحكم بناء الكنائس مثلما هو شائع فى كتابات كثيرة، ويخطئ بعض الكتاب بالإحالة المستمرة له. وفى عهد الرئيس السابق (أو المخلوع) حسنى مبارك لم يصدر قرار بناء كنيسة استنادا إلى الخط الهمايونى، بل يصدر بناء على طلب من وزارة الداخلية التى كانت تطبق الشروط العشرة لبناء الكنائس، وتدلى برأيها فى ترميم الكنائس الذى تحول تدريجيا من سلطة المحافظين إلى الأحياء فى السنوات الأخيرة.
مسودة القانون المطروحة لا تخلو من روح الشروط العشرة المشار إليها، ولكن السؤال هو من الطرف الذى سيقرأ بنود القانون، وينفذها، ويصدر القول الفصل فيها؟ فى السابق كان أمن الدولة هو صاحب الأمر والنهى فى هذا الموضوع، والكل يسمع وينفذ له بدءا من المحافظ حتى أصغر موظف فى الوحدات المحلية، ولم يكن رئيس الجمهورية يصدر قرارا فى هذا الشأن إلا بناء على مذكرة أمنية.
اليوم لا يوجد أمن الدولة، وحسب التصريحات المتداولة أن «الأمن الوطنى» لن يتدخل فى مسألة بناء وترميم الكنائس. هذا هو المعلن، ولكن كيف سيتخذ المحافظ أو غيره من المسؤولين المحليين قرارهم فى هذا الخصوص؟ من سيحدد أن المكان المراد بناء كنيسة به يتمتع بكثافة سكانية مسيحية، ومن سيحدد حجمها؟ وإذا ثار مثلا مسلمون غاضبون على بناء كنيسة بالقرب منهم هل سيكون رد الفعل هو تجميد البناء مثلما جرى تجميد محافظ قنا؟ وهل المحافظ سيتحرك بوحى من حساباته، والمعلومات المتوفرة له، ومشاعره الداخلية، أم سينتظر تقريرا من جهة ما تعينه على اتخاذ القرار؟ وهل مدة الثلاثة أشهر أو كما تطالب الكنيسة بأن تكون شهرين كافية لاتخاذ القرار؟ وماذا سيحدث خلال هذه المدة هل سيقوم ممثلو الأحياء باستيفاء أوراق كان أمن الدولة يقوم بها مثل البحث فى مسألة الكثافة السكانية، وموقف السكان المحليين من بناء الكنيسة، إلخ.
لا أريد أن أكون متشائما، ولكن السلطة التقديرية لدى من يتخذ القرار واسعة، والتقديرات قد تكون متباينة، والخلافات قد تزيد، وندخل فى سيناريو آخر يمهد السبيل إلى عودة تدريجية لأجهزة الأمن للتحكم فى الملف، ولا أعرف يقينا كيف ستكون لدى الدولة «القوة» فى تطبيق هذا القانون فى الوقت الذى يبدو فيه ضعفها، وتراجعها فى عودة النظام إلى الشارع، وبالمناسبة هذا لا علاقة له بالثورة التى نعلق عليها كل الأخطاء.
اليوم السابع
0 التعليقات:
إرسال تعليق