...وو

نحن هنا من اجلك
اذا كانت لـك اي طلبات مسـاعده اكتب لنا
ونحن سوف نتكاتف معك من اجل تحقيقها

yo

الجمعة، أبريل 29

الكاتب: حنا حنا المحامى

بدا اللغط مرة أخرى وأخرى حول الماده الثانيه من الدستور. وأرجو ألا أخرج عما التزمت به دائماً فى كتاباتى من هدوء وموضوعيه, ليعيننى الله.
فى دستور سنة 1923 كانت الماده الثانيه تنص على "اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة والإسلام دين الدولة الرسمي". لعل الكثير لا يعرف أن من أصر على عبارة "دين الدوله الاسلام" هم المسيحيون. ولم يكن ذلك إلا احتراما للاغلبيه. وفى مقابل هذا النبل الاخلاقى من الاقباط لم يكن لهذه العباره أى أثر عليهم سواء فى ممارسة 


شعائرهم الدينيه أو مراكزهم القانونيه أو مناصبهم الوطنيه والرئاسيه والسياسيه.
كان الجميع مواطنين لهم نفس ا لحقوق وعليهم نفس الواجبات ولم يحدد المرشح إلا حزبه السياسى, ولم يكن للدين أى أثر فى الانتخاب. وكان الوفد صاحب الاغلبيه فى أكثر الاحوال خاصة إذا كانت الانتخابات نزيهه.
جاءت ثورة 23 يوليو وألغت الاحزاب وفى أول انتخابات تاليه كان عنصر الدين حافزا على الدعايه الانتخابيه. لم يجد الناخب الذى يفتقر إلى أى قسط من التعليم إلا المفاضله تأسيسا على عنصر الدين. وهنا بزغت لأول مره فى مصر الاتجاهات الدينيه. كانت النتيجه أنه لم ينجح فى مجلس الشعب من الاقباط سوى إثنان أو واحد فقط على ما أذكر.
إزاء هذه النتيجه المجحفه بالاقباط أغلق عليهم الرئيس عبد الناصر بعض الدوائر منها دائرة شبرا. كانت النتيجه أن امتنع المسلمون عن التصويت وضحوا بالغرامه –آنئذ- والبالغه جنيها. من هنا بدأت روح التعصب فى أن تستشرى فى الشعب المصرى. كانت النتيجه أن قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن يضيف عشرة مقاعد يملأها بنفسه ممن يختارهم. وكان أول إجراء فعلى لهذا القرار أن عين ثمانية اقباط وإثنين مسلمين. ومنذ ذلك الحين والتمثيل بالنسبه للمسيحيين يصل إلى لا شئ أو بالقدر اليسير الذى يقرب أو يساوى لا شئ.
وقصة السادات مع الاقباط والبابا شنوده معروفه. وحين أراد السادات أن يضرب الناصريين أفرج عن المعتقلين الاخوان, والجماعات الاسلاميه وأعلن بصراحه أو بمعنى أصح "ببجاحه" أنا رئيس مسلم لدوله مسلمه. وبذلك فتح الباب على مصراعيه للنيل من الاقباط سواء فى أشغالهم أو تعيينهم فى أى وظيفه.
ومنها على سبيل المثال أن الزميل الدكتور عوض شفيق هو وإثنان قبطيان آخران كانوا أوائل كلية الحقوق وعين الثلاثه فى النيابه, ثم تحولوا للخدمه العسكريه كضباط احتياط. وحين أنهوا مدة الخدمه وأرادوا أن يعودوا إلى مواقعهم التى عينوا فيها ألا وهى النيابه العامه كانت روح التعصب قد انتشرت ونمت وترعرعت فتنكرت السلطه بأنهم عينوا فى النيابه. نعم أنكرت السلطات هذا التعيين فكانت النتيجه أن إثنين ذهبوا إلى جامعات أخرى خارج مصر بخلاف جامعة الاسكندريه, أما الثالث فكان محظوظا لأن والده كان ضابظ بحريه فى مركز مرموق فأعيد إلى وظيفته فى النيابه.
كانت هذه لمحه أو قطره من السيل الذى بدأ ينمو ويترعرع ضد الاقباط. ولم يكن السند الوحيد فى كل هذا إلا عنصر الاغلبيه. وأن المسلمين يشكلون أغلبيه وهم أصحاب رأى الاغلبيه, ومن ثم هم أصحاب القرارات سواء صائبه أو غير صائبه سواء كانت تلك القرارات مجحفه بالاقباط أم لا فهذا لا يهم. المهم أن المد التعصبى أخذ يستشرى عسى أن يدخل التاريخ ويقهر الناصريين ويستمر فى الحكم إلى ما لا نهايه خاصة أن اتفاقية اسرائيل ومن قبلها حرب أكتوبر قد أكسباه على المجال الدولى سمعة لم يحصل عليها زعيم عربى من قبل أو من بعد. إلا أن الاقدار كانت للزعيم المؤمن بالمرصاد فلقى حتفه.
كان من وسائل استقطاب المد الاسلامى أن عدل السادات عبارة "دين الدوله الاسلام" بأن أضاف إليها عبارة "والشريعه الاسلاميه مصدر رئيسى للتشريع".
أراد الرئيس مبارك أن يحصل على كسب شعبى بعد ثلاث محاولات لاغتياله فعدل من الماده الثانيه لتكون "الشريعه الاسلاميه المصدر الرئيسى للتشريع".
أعترض المسيحيون على تلك الماده فكانت من وسائل التهدئه أو التقيه أن شرحوا للاقباط أن تلك الماده تخاطب "المشرع فقط". ولم يجد الاقباط بدا من السكوت على مضد.
ولكن إذا بالماده التى تخاطب المشرع تخاطب كل من هب ودب. وجدنا أن القاضى يبرئ أربعه قتله لأن القتيل قبطى. وجدنا أن القاضى لا يسمع شهادة قبطى فى مسألة إعلام وراثه لمسلم. وجدنا القاضى فى حالة ثبوت جريمة قتل إثباتا قاطعا لا يحكم بالاعدام على الجانى لأنه لا يؤخذ دم مسلم بكافر. رأينا أن المتطرفين التجار وأصحاب المحلات المسلمين يعلنون بكل جراءه وبجاحه على محلات عملهم "لا وظائف للمسيحيين". رأينا فى المعركه الانتخابيه أن المرشح المسلم يقول بكل سفه وقحه "لا تنتخب المجوسى, لا نتنخب الكافر". رأينا كيف أن عقليه نابغه مثل الدكتور عصام عبدالله يضطهد ولا يرقى إلى درجة أستاذ لانه مسيحى, وبذلك تحرم مصر من أبنائها الافذاذ. رأينا المد الاسلامى المتطرف يستشرى ويعمل بكل طاقته على تهميش المسيحيين واضطاهدهم وإذلالهم بكل الوسائل الغير مشروعه طبعا, وبعد ذلك لا يهم ما يصيب مصر من ضعف ووهن بسبب حرمانها من أبنائها الافذاذ.
فى عهد مبارك كما يعلم العالم استشرى الفساد ونخر فى عظام مصر. وكان على الرئيس المخلوع أن يكسب عطف الشعب أو بأقل القليل يشغل الشعب عن الفساد والافساد فلم يجد أفضل وسيله إلا استعمال الاقباط كوسيله يتلهى فيها المسلمون خاصة المتطرفون وساعد على ذلك تعصب العادلى وشهوته للجريمه, فتفنن فى تهجير الاقباط من المدن والقرى بعد تدميرهم اقتاصديا. ومن ثم تدور النزاعات والاتهامات والمنزعات والاجراءات والشعب فى سبات عميق على أثر تلك الاجراءات ويظل الفساد يستشرى فى أمان كامل من أن ينكشف أو يبعث على إفاقة الشعب من غفوته.
ولكن الاخطر من هذا جميعه أنه فى ذلك المناخ الفاسد والفاسق نمت روح التعصب نموا لا يمكن أن يزول بين يوم وليله.
ولكن هذه الماده الثانيه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أصبح لا محل لها بل هى لن تكون إلا بعثا لمناخ فاسد لا يحترم شريحه لا يستهان بها من الشعب المصرى العريق. وذلك للاسباب الآتيه:
أولا: لا يجوز لمعتنقى أى دين من الاديان أن يفرضوا أحكام دينهم على معتنقى دين آخر. وذلك بإطلاق فهو لا يجوز تحت أى ظرف من الظروف أو سبب من الاسباب, وإلا نكو ن بصدد شريعة الغاب.
ثانيا: إذا كان المحك هو أن الرأى رأى إغلبيه فنكون بذلك بصدد أزمه أخلاقيه بمقتضاها تتحكم الاغلبيه تحكما غير منطقى وذلك بفرض أحكام دين لا يعتنقه الاقليه فيكون الامر أمر قسر وقهر. وإذا كان الامر كذلك فيتعين إعلان انسحاب الدوله المصريه من المواثيق الدوليه والمعاهدات التى التزمت بها. وتتقوقع فى إطار منعزل لا يؤمن بأى مبدأ يتسم بالسمو إلا مبدأ التحكم فى الاقليه كما يشاءوا.
ثالثا: لا نقبل أن يفرض الاغلبيه فى أى دوله أوروبيه أن يفرضوا أحكام الدين المسيحى على المهاجرين المسلمين. وإذا كانت الدول الاوروبيه تلتزم تلقائيا بهذا المبدأ فليست مصر أقل حضاره أو أخلاقا من أى دولة أجنبيه, او بأقل القليل يتعين أن تكون مصر كذلك, خاصة بالنسبه لشريحه لا يستهان بها من مواطنيها.
رابعا: يتعين على مصر أن ترتقى إلى مستوى المبادئ التى ثارت من أجلها ثورة الخامس والعشرين من يناير. وهذا لن يتأتى إلا بمدنية الدوله.
خامسا: إزالة الماده الثانيه لن يدع مجالا لأى من أساليب التعصب والعدوان والاعتداء على أقليه مبدأها السلام والمحبه والوئام.
سادسا: من الوطنيه ومن مبادئ إعمال المواطنه أن المواطنين سواسيه لا فرق بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون طبقا للماده أربعين من الدستور. يتبين من هذا أن الماده الثانيه تتعارض تعارضا صارخا مع الماده 40 سالفة ا لذكر.
سابعا: إننا نسعى جميعا إلى إنشاء دولة علم وليست دولة جهل. ومن المعلوم أن تماسك المواطنين ووحدتهم وتآلفهم يجعل من مصر وحدة واحده تعمل على وجود كيان دولى قوى ومتماسك. أما تفتيت الدوله بماده مثل الثانيه فتعمل على تفتيت عناصر الدوله ومن ثم تعمل على ضعفها ووهنها وليس هذا هو المراد أو الهدف لأى مصرى. فقد شاهدنا ومارسنا ماذا تفعل الصراعات فى مصر خاصة الصراعات الدينيه.
ثامنا: الجماعات المتطرفه تتمسك بمبدأ دينية الدوله ليس من أجل مصر ورخاء مصر ولكن من أجل القفز على السلطه مع ما يحققه هذا من سياده وجاه وسلطان وهذا هو المراد بل هو الهدف الاول من دينية الدوله.
تاسعا: من المبادئ – لا مؤاخذه – الاخلاقيه: "حب لقريبك ما تحب لنفسك". وهنا يثور التساؤل: هل تحب أن يفرض على أى مسلم فى دولة أوروبيه أن تطبق عليه أحكام دين تلك الدوله؟ بالطبع لأ. لماذا إذن تريدون تطبيق أحكام دين على شريحه أصيله من الوطن لا تعتنق ذلك الدين؟
عاشرا: إذا كان الهدف هو إرضاء المتطرفين, فهذا يكون مكمن الخطوره. ذلك أن الحاكم الذى يخاف المحكوم لن يحقق أى تقدم. ذلك أن الحاكم عليه مسئوليه كبرى وهى تثقيف الشعب والارتقاء بمفاهيمه حتى ترتقى مصر وتحقق مكانتها بين الدول.
خلاصة القول من حق أى مواطن أن يعيش فى بلده كمواطن حر له الحقوق والواجبات التى تكفل لكل مواطن. وأن العلاقه الدينيه –كما قالت الاستاذه فاطمه ناعوت عن حق- خط رأسى بين الانسان والله. أما علاقة المواطنه علاقه أفقيه بين الانسان وأخيه الانسان. ومن هنا يتعين فصل الدين عن الدوله شكلا وموضوعا.
والله ولى التوفيق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق